فصائل المعارضة في عفرين تنتهك حقوق الناجين من الزلزال

المقدمة

تستمر فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا بانتهاك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان منذ سيطرتها على منطقة عفرين بريف حلب الشمالي في عام 2018, دون أن تتم محاسبتها أو تصنيفها كجهات مُدانة بالرغم من ظهور الكثير من التوثيقات والتقارير الحقوقية التي تثبت مشاركتهم بأعمال قتل وخطف واعتقال تعسفي وغيرها من الجرائم التي ترتقي لتكون جرائم حرب.

ولكن ما ظهر للعلن في ظل الظروف الكارثية التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 شباط/فبراير بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر, والذي سيتم التطرق إليه في التقرير، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدم أهلية تلك الفصائل لتكون قوة مسيطرة على أي منطقة في سوريا, وأن تتم محاسبتها وتجريدها من سلطتها على المدنيين.

عفرين بعد الزلزال

ضرب زلزال يوم الاثنين 6 من الشهر الجاري بتمام الساعة 4.17 صباحاً تركيا وسوريا, راح ضحيته أكثر من 11 ألف شخص بين متوفٍ ومصاب في سوريا, نصفهم من شمال غربي البلاد لقربهم من الحدود السورية التركية, وتسبب بتدمير جزء كبير من مدينتي إدلب وعفرين ولجوء آلاف الأشخاص إلى المخيمات والشوارع والسيارات, بسبب الصدوع الخطرة التي أحدثها الزلزال في منازلهم.

 كما بقيت مئات العائلات في عفرين عالقة تحت الأنقاض لساعات دون وجود فرق إنقاذ مختصة, واستمرت عملية البحث عن الناجين بين الأنقاض بجهود السكان وبالاعتماد على آلياتهم, إلى أن وصلت فرق الإنقاذ التي عملت إلى جانبهم, ولم يتلقَّ سكان عفرين أي مساعدات إغاثية لمدة خمسة أيام, حتى دخلت إليها أول قافلة مساعدات مقدمة من إقليم كردستان العراق وبعدها من السعودية.

بلغت حصيلة ضحايا الزلزال في منطقة عفرين, بحسب ما سجله فريق الرصد والتوثيق في نورث برس 936 حالة وفاة و1457 إصابة, ووصل عدد المباني المنهارة فيها لـ 253 مبنى ومنزل أما المتضررة بشكل جزئي لنحو1300.

انتهاكات الفصائل

استغلت الفصائل المسلحة في منطقة عفرين انشغال السكان بعمليات الإنقاذ ونزوحهم من منازلهم, وعوضاً عن أن تساعد فرق الإنقاذ التي وصلت متأخرة, كرست جهودها في السيطرة على المساعدات المقدمة للسكان, وسرقة الأبنية المتضررة, وتفجير منازل المدنيين بشكل عشوائي بحجة أنها مهددة بالانهيار, ومارست العنصرية بحق سكان المنطقة الكرد, وذلك بحسب شهادة خمسة أشخاص من منطقة عفرين وشهادات من مصادر مفتوحة, لن يتم ذكر أسمائهم حفاظاً على سلامتهم.

قال أحد سكان مدينة جنديرس, لنورث برس, “الفصائل تحاول السيطرة على المساعدات بشكل مستمر وتنقل ما تستطيع تحصيله إلى مستودعاتها”.

واستطاع القسم من الوصول لمعلومات تؤكد أن عناصر من فصيل السلطان سليمان شاه في الجيش الوطني الموالي لتركيا قاموا بالاستيلاء على مساعدات إنسانية مقدمة من إقليم كردستان العراق إلى مدينة جنديرس ونقلها لمستودعاتهم في  كوزلية بناحية شيراوا في عفرين, بعد أن منع المنظمات من توزيعها وأجبرهم على تسليمها له بحجة أن عناصره سيقومون بتوزيعها على السكان.

كما فرض الفصيل ضرائب على قافلة المساعدات المؤلفة من 14 شاحنة، والتي دخلت بعد أربعة أيام من الزلزال، بقيمة 1000 دولار على الشاحنة الواحدة التي دخلت المدينة التي صنفت كأكثر مدينة منكوبة.

وقال مصدر من ناحية بلبل لنورث برس، إن المجلس المحلي الموالي لتركيا قام بإخفاء الخيام الموجودة ضمن مستودعاته وامتنع عن توزيعها على السكان, وبحسب ما استطاع القسم رصده من المصادر المفتوحة، فإن أشخاصاً من القائمين على التوزيع في المجلس يقومون ببيع الخيم والمواد الإغاثية.

وأشارت هذه المصادر على أن الكرد في منطقة عفرين يتعرضون للتمييز العنصري من قبل فصائل المعارضة الموالية لتركيا في توزيع المساعدات وتأمين مكان الإقامة حيث لايزالون يقطنون في العراء أو في ساحات منازلهم المدمرة, في ظل الظروف القاسية والهزات الارتدادية المستمرة ودرجات الحرارة دون الصفر, بالإضافة إلى أن فرق الإنقاذ تجاهلت المناطق السكنية الكردية التي تضررت من الزلزال.

وعلى ضوء ما سبق قال إبراهيم شيخو، رئيس منظمة حقوق الإنسان في عفرين لنورث برس: “يتعرض الكرد للتمييز العنصري في إنقاذ ناجين، وإخراج الجثث من تحت الأنقاض، وتوزيع المساعدات التي أرسلت من إقليم كردستان العراق والسعودية”.

وأشار شيخو إلى أن الانتهاك لا ترتكب فقط من قبل مجموعات الفصائل في الجيش الوطني فحسب ، بل من قبل المستوطنين أيضاً, ويمكن استنتاج مدى صحة ما ذكر سابقاً بالعودة إلى عدد وفيات المنطقة البالغ عددهم 936شخص 70% منهم كردي.

أما بالنسبة للسرقات المستمرة في عفرين منذ عام 2018, لم تستطع الكارثة التي سببها الزلزال أن توقفها, بل حتى اعتبرها بعض عناصر الفصائل فرصة لهم لكسب المزيد من المال.

بحسب مصدر من مدينة جنديرس فإن عشرات المنازل تعرضت للسرقة بعد أن أخليت من سكانها جراء تعرضها لانهيارات بشكل جزئي, وأشار المصدر إلى أن السرقات طالت أجهزة كهربائية وأدوات منزلية فضلاً عن أسلاك الكهرباء في شوارع البلدة.

وبسبب حوادث السرقة التي زادت وتيرتها بعد الزلزال الذي حول المنطقة لمنكوبة, يفضل سكان عفرين البقاء في العراء أمام منازلهم أو في ساحاتها أو في منازلهم المهددة بالانهيار ليحموا ممتلكاتهم ومنازلهم, التي من الممكن أن تسلب منهم بمجرد خروجهم منها.

لم تكتفِ فصائل المعارضة الموالية لتركيا بإحداث التفرقة العنصرية في المنطقة إلى جانب عمليات الاستلاء والسرقات, بل استغلت الوضع في المنطقة، وتقوم بتدمير المباني والمنازل بشكل عشوائي وتفجيرها بحجة أنها مهددة بالانهيار دون استشارت مختصين أو دراسة الوضع البيئي للمنطقة والأبنية المجاورة التي لاتزال مسكونة ودون مراعات قواعد حفظ سلامة وأمن المدنيين وحقوقهم في السكن, ودون أخذ موافقة صاحب المنزل.

استطاع القسم توثيق 13 محلاً و5 مبانٍ تم هدمها بشكل عشوائي غير مدروس في كل من عفرين وإدلب, ويعتبر هدم منازل المدنيين من الجرائم الدولية التي يجب أن تحاسب عليها الجهات المفتعلة, كونها تتسبب بتشريد عشرات العائلات من دون حق.

قال أحد سكان مدينة جنديرس، لنورث برس, إن منزله ومحله التجاري لم يتضررا قط من الزلزال واضطر للخروج من المنزل, وعند عودته وجد أنه تم تفجيرهما دون سابق إنذار.

ويعتبر تدمير المنازل بشكل عشوائي وغير مدروس انتهاكاً لحقوق المدنيين في السكن اللائق, كما أنه يعتبر تشريداً قسرياً, وهو انتهاك بحسب القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.

فبحسب القانون في ما يخص مبادئ توجيهية الحق في المساعدة الإنسانية, ووفق المبدأين الأول والعاشر، إذ ينصان على أن لكل إنسان الحق في الحصول علي مساعدة إنسانية تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه على قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة.

وأن على كافة السلطات المعنية أن تمنح التسهيلات المطلوبة لضمان تقديم المساعدة الإنسانية، وكذلك بمرور الموظفين المكلفين بإرسالها, بأنه يجوز إرسال المساعدة الإنسانية عند الضرورة وفقاً لخطوط سير يطلق عليها اسم “الممرات الإنسانية” التي يجب علي السلطات المختصة للأطراف المعنية أن تحترمها وتحميها، والتي تخضع عند الضرورة لسلطة الأمم المتحدة.

تعتبر المضايقات والأفعال التي تقوم بها الفصائل بحق سكان عفرين الكرد، شكلاً من أشكال التمييز العنصري وانتهاكاً لحقوقهم المدنية, أما بالنسبة لتدميرهم وسرقتهم والاستيلاء على أملاكهم فهي جريمة جسيمة ترتقي لتكون جريمة حرب, وهو أمر محظور وتعاقب عليه الجهة المفتعلة.

 ومن القوانين والمواد والمواثيق الدولية التي تحظر هذه الأفعال, المادة 23من قوانين لاهاي لعام 1899, المادة 50 من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949، والمادة 51 من اتفاقية جنيف الثانية لعام 1949 والمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949, المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998, وجميعها تنص على أن التدمير والاستيلاء على الممتلكات، غير المبرر هو جريمة حرب ولها العديد من الأحكام الأخرى.

قسم الرصد والتوثيق