الكاتب السوري ضاهر عيطة: روايتي شهادة حياة وتمرّد على الواقع السوري

القامشلي ـ نورث برس

تأتي أهمية التجربة الأدبية للكاتب السوري ضاهر عيطة، وهو من مواليد دمشق سنة 1966، من كونه حائز على عدة جوائز عربية ومحلية، وهو يحمل إجازة في الفنون المسرحية من المعهد العالي.

وقام بإعداد وإخراج أول عمل مسرحي عام 1995، عن نص “صفحات من القضية” للكاتب الألماني كيب هارت، وتم عرضه على خشبة مسرح القباني بدمشق. كما أعدّ وأخرج مسرحيات عدّة، من أبرزها “نزوة عاشق” للكاتب الألماني يوهان غوته.

على هامش رواية “ملاذ العتمة”

واشتغلت الرواية على الواقع المأساوي السوري، وتناولت الحرب والهجرة والتشرد، يقول الكاتب ضاهر عيطة، لنورث برس، “الروايات التي تناولت المآسي السورية، ليست بالقليلة، لا من حيث الكم، بل هناك العديد من الكاتبات والكتاب الشباب لم نكن نسمع بهم من قبل، نهضوا فجأة، وربما في غفوة عنا، وراحوا يشتغلون في حقل الأدب الروائي، كحالهم في معظم الحقول الفكرية والعلمية”.

ويشير إلى أنه اطلع على ما يقارب من مئة عنوان جديد لأعمال روائية يكتبها سوريون ومعظمها تتناول أحداث “الثورة السورية”، والمآسي التي رافقتها.

وفيما يخص روايته “ملاذ العتمة” يقول: “لا أظن أنني كنت أتوخى منها أن تكون مادة للعزاء، فالعزاء في هذه السياق يكون أقرب إلى الخداع والكذب، وهو عكس ما أردت قوله في روايتي، لكن الاقرب إلى التوصيف إن كان ولا بد، فهي شهادة حياة، وتمردًا على من يسعى لقتل الحرية”.

ويضيف: “فحين كنت أشتغل على شخصية غفران، كانت تمثل أمامي سوريا بكل مكوناتها وتاريخها وجراحها، وآمال شعبها وأحلامه، وربما لذلك بدت غفران كبطلة في فاعلية حضورها، وكل الأنين الذي في أعماقها والتمزق، هو في محصلته نتيجة لوجود الدكتاتور القابض على أنفاس سوريا”.

الكشف عن الأقنعة المزيفة

في هذه الرواية يغوص الكاتب في عمق التأزم النفسي والاجتماعي لبعض الناجين من الحرب في سوريا، ليعالج قصة حب بين الشيخ عاطف “رجل الدين” والمؤيد للحكومة السورية، وغفران الفتاة الطموحة المعارضة. حيثُ يعيش عاطف حياته كلها على الانتهازية والوصولية.

الرواية تأخذ منحى لما حصل في أطراف مدينة دمشق، فتعري حقيقة أولئك الأصوليين وتكشف عن خيوط أقنعتهم الواهية المزيفة لنصل إلى نهاية صادمة غير متوقعة.

وتناول الكاتب في روايته “ملاذ العتمة” جرائم حقيقية، عمليات قتل وتعذيب تمت بلا شفقة وبمنتهى الشراسة. وبدفق سردي ساخط، ينهي الروائي حياة الشيخ الإمام عاطف وقد شنق نفسه في غابة ألمانية، حيث كان يبحث فيها عن غفران.

أدوات قتل ناعمة

ثمّة روايات كتبها أدباء سوريون عن الراهن السوري، كان الاشتغال فيها على جوانب القتل والتعذيب. فيما يذهب “عطية” في منحى آخر، فبطله “عاطف” رجل الدين وحاصل على الدكتوراه في العلوم الشرعية، ولكنه يمارس ذات الأفعال”.

يقول الكاتب: “ما يفعله العسكر، بحياة الناس من خراب ودمار، من خلال ما يمتلكه من أدوات وعتاد قمعية، هو ظاهر للعيان، لكن ما يفعله القتل الفكري، سواء كان ديني أو غيره، في حياة الناس، يكاد يكون الخراب الناتج عنه أشد خطرًا وأوسع خرابًا مما ينتج عن العسكر، سيما وأنه يعتمد أدوات لا يكون لها عادة ضجيج، كضجيج البراميل، لكونه بالمحصلة يعتمد على أدوات قتل ناعمة، تتسلل عميقًا في الوجدان الإنساني”.

ويشير إلى أن هذا النوع من الأفكار هو “إفراز من إفرازات العسكر التي حكمت بلادنا على مدار قرون طويلة، وبدوره فكر كهذا لا ينتج إلا العسكرة، والفتنة، والحروب والتقاتل، ولذلك كان تسليط الضوء على شخصية الإمام عاطف، بمثابة الإشارة إلى عامل خراب آخر يقبع في العتمة”.

التصالح مع الذات

لعلّ المفاجأة أن نجد “عاطف” قد شَنَقَ نفسه. هل هذا مجرّد حُلم الكاتب، أم حُلْمُ السوريين به، أم أن الكاتب تركه يواجه مصيره كونه يعيش أزمة نفسية من منشأ فكري؟.

يجيب الكاتب: “حين كنت أشتغل على شخصية عاطف، لم يخطر لي ولا مرة أنني سوف أضعه أمام هذه النهاية، وهي في الأساس لم تكن ضمن تصوراتي، ولم أكن أحضر لها خلسة في مجرى الأحداث، إنما طبيعة هذه الشخصية في سياق أحدث كهذه، هي من ساقتني، أو ربما ساقت عاطف لأن يختار لنفسه هذه النهاية”.

ويقول: “وربما لا أبالغ لو قلت أنني جربت كثيرًا أن لا تحدث له مثل هذه النهاية، لكن كل الأبواب كانت قد أغلقت أمامي، ولم أستطع أن أبني له نهاية مختلفة، وربما هذا يؤكد لي الآن، أنه هو من رسم مصيره على هذا النحو، وقد أكون راضياً عن تلك النهاية، لكوني فكريًا ووجدانيًا أراها منطقية لأمثاله ممن يمارسون القتل باسم الدين، أو من منطق ديني، أو يمارسوه وهم يتخفون خلف عباءة الدين”.

وهذا لا ينفي، بحسب الكاتب، أن كل المفاسد والجرائم التي ترتكب، “لديها عباءات إيديولوجية تتخفى وراءها، سواء كانت دينية أو قومية أو فكرية، وهذه النزعة للتمرد التي تشغل حيزًا كبيرًا من شخصية غفران، وكذلك حالة الضياع والتشتت، هي وعي الإنسان لهذا الخراب الكوني المحاط به، عبرت عنه غفران انطلاقًا من جرحها ومأساتها الشخصية التي بدأتها في سوريا، ولكنها لم تنتهِ في ألمانيا بل تضاعف الشعور بها، وقد رأت كيف أن سيلينا تحضن عاطف وتستقبله في بيتها، سيلينا المخدوعة بدورها، والمتخبطة، والتي تشي ربما في النهاية التي آلت إليها.

ويقول الكاتب في نهاية حديثه لنورث برس، أن ما حل بسوريا، لم يكن هزيمة للسوريين، هذا إن هزموا، “إنما ستكون هزيمة لكل شعوب الأرض، بوصفها ثورة تسعى إلى حرية وكرامة إنسان مقهور يعيش على رقعة من هذه الأرض تسمى سوريا، وقد تجسّدت بوادر تلك الوشاية، من خلال جدتها وكيفية تعاملها مع أغراض الغرقى، وإشاحة الوجه عنهم بوصفهم بشرًا”.

إعداد وتحرير: عماد موسى