“الغش” في البناء يضاعف أعداد ضحايا زلزال سوريا

دمشق ـ نورث برس

لم يكن ينقص القطاع العقاري في سوريا زلزال كالذي حصل، حتى يتبين مدى “الغش” في تنفيذ مشاريع عقارية تحولت إلى قاتلة لأصحابها مع الزلزال الذي ضرب سوريا مؤخراً.

فالحرب أخرجت أكثر من 30- 40% من هذا القطاع عن الخدمة ثم جاء الزلزال ليحول الوضع السيء إلى أسوأ، حسب آراء خبراء عقارات.

“الغش” وعدم التقيد بالمواصفات تسبب بزيادة أعداد ضحايا الزلزال، حيث بلغ عدد الأبنية التي تضررت في محافظة اللاذقية أكثر من 102 بناء، حسب إحصاءات سابقة لمحافظة اللاذقية، وفي حلب سقط أكثر من 54 بناءً وأعداد الضحايا في تزايد مستمر ووصل إلى نحو 1500 وفاة.

مصدر الخطر

تقول صفاء حسن، وهي إحدى الناجيات من زلزال جبلة، لنورث برس، إنه “شعور غريب أن يتحول البيت الذي يحميك عادة إلى سبب لقتلك، وتضطر الناس للخروج إلى العراء تحت المطر والعواصف خشية البقاء في بيوت تداعت بسبب الزلزال”.

وتضيف، أنهم شاهدوا الموت بأعينهم للحظات، وجدران المنزل تتقاذفهم من جهة لأخرى، حسب قولها.

تضيف الستينية حسن الناجية، لنورث برس، إن كل البنايات المحيطة بهم سقطت على أصحابها، وتعتقد أن ما جعلهم ينجون أن من نفذ البناء الذي يسكنونه هو “وزارة الإسكان، وقد تكون التزمت بالشروط الفنية المطلوبة للبناء أكثر من غيرها”.

وبينت أن البناء الحديث في مدينة جبلة “تهاوى وتصدع بمعظمه بسبب الغش وعدم الالتزام بالمواصفات المطلوبة”.

لم يلتزموا

صدرت الخريطة العقارية في سوريا منذ عام 1995، وكان من المفترض أن تحقق كل الأبنية التي شيدت بعد هذا التاريخ المواصفات المطلوبة لتقليل أضرار الزلازل “لكن هذا لم يحصل”.

يقول خبير عقاري لنورث برس، إن نسبة البيوت المحققة لهذه الشروط “لا تصل إلى نسبة 5%، وذلك لأن تكاليف البناء الذي يراعي شروط حدوث الزلازل تفوق غيرها بنحو 10% من التكلفة”.

وما سبق “يجعل المقاولين الذي يتسلمون قطاع العقارات في سوريا يتجنبون الالتزام بهذه الشروط خاصة مع انتشار الفساد، وإمكانية الحصول على الأوراق المطلوبة عن طريق الرشى”، بحسب الخبير.

المذنبون

وحمل العقاري مسؤولية الأرواح التي سقطت للجهات التي ساهمت وتساهلت في تطبيق المواصفات المطلوبة لبناء آمن مقاوم للزلازل، والنظام الهندسي المتبع في سوريا الذي يسمح بتسليم أبنية غير آمنة ليقطنها أعداد كبيرة من السكان.

وإذا كان الخطر المتوقع على مناطق السكن الداخلة في التنظيم لا يقل عن 20%، فكيف الحال مع مناطق المخالفات؟.

فالمناطق الداخلة ضمن التنظيم شهدت الكثير من المخالفات. حيث أنه تم زيادة طوابق كثيرة فوق الكثير من البنايات دون مراعاة الشروط المطلوبة ومدى تحمل البناية لحمولات إضافية.

يضاف لذلك أيضاً عدم الاهتمام بموضوع نوعية التربة عند إنشاء مشاريع عقارية، كما حصل في المشروع العاشر في مدينة اللاذقية، حيث أشيدت منطقة على تربة رملية غير صالحة للبناء، ورغم أن أسعارها بالمليارات، إلا أنها تشكل منطقة خطرة على سكانها.

مناطق المخالفات

أما الوضع في مناطق المخالفات فهو بمثابة الكارثة المنتظرة إذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات استراتيجية.

يقول الخبير العقاري إن “أكثر من 60- 70% من هذه المناطق ستسوى بالأرض بزلزال لا يتجاوز 5 ريختر”.

ويضيف: “ولأن فالق البحر الميت يمتد طوله لمسافة 1000 كم، ويعبر الأراضي السورية، فيمكن أن يحصل الزلزال في مناطق أخرى من سوريا”.

والتحذير السابق للخبير العقاري، “يستلزم التصرف سريعاً قبل حصول مأساة جديدة يذهب ضحيتها مئات الآلاف بسبب الفساد والإهمال في التعامل مع هذا الملف”.

وأشار الخبير إلى أن من يتابع تاريخ الزلازل في سوريا “يكتشف أن كل 250 إلى 300 عام يمكن أن يحدث زلزال في سوريا، لا أحد يستطيع التكهن بيوم أو ساعة وقوعه، ولكن يمكن الاستدلال عليه من الحقبة الزمنية وهذا ما حصل في الزلزال الأخير”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله