كيف انعكس الزلزال “المدمر” على الحالة النفسية للسكان في سوريا؟

دمشق- نورث برس

لم تعد تستطيع لودي، النوم ليلاً، ولا حتى ترك طفلها بعيداً عنها، حيث تبقيه في حضنها وتنام بجانب الباب منذ حودث الزلزال.

تقول لودي محمد (40 عاماً) وهي ربة منزل، تسكن مدينة طرطوس، لنورث برس: “حالات من البكاء الهستيرية تصيبني ليلاً دون توقف”.

وتسبب الزلزال “المدمر” الذي وقع في جنوب تركيا وشمالي سوريا، فجر السادس من شباط/ فبراير الجاري، وراح ضحيته عشرات الآلاف، باضطرابات نفسية مختلفة لدى سكان في مختلف أنحاء  البلاد. 

وكثيرةٌ هي المشاهد التي رصدتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، ورآها عن كثب كل من عاش الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا كلها، حيث اختلفت ردود أفعال السكان الناجمة عن الخوف، لتصل إلى حد عدم النوم لدى البعض منهم.

وبدأت تصرفات غريبة تظهر عند الأطفال بأعمار مختلفة، ما يثير تساؤلاً: “هل حول الزلزال السوريين والسوريات إلى مرضى نفسيين دون تحديد زمن لانتهاء المرض؟”.

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة من ثلاثة جهات وفق مناطق النفوذ (الحكومة، المعارضة ، الإدارة الذاتية)، ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 3587 حالة وفاة و5356 ، وهي لازالت غير نهائية.

عمليات البحث عن ناجين في ناحية جنديرس بريف عفرين- نورث برس

لكن الأمم المتحدة تقول إن عدد الوفيات في شمال غربي البلاد لوحدها وصل إلى 4300 شخص، والإصابات إلى 7600، فيما تتوقع جهات أممية أن تصل الحصيلة النهائية لضحايا الزلزال إلى ضعف العدد المعلن.

ما بعد الصدمة!

وأصبح مضر محمد (37 عاماً) وهو من سكان مدينة اللاذقية، يفضل الصمت، ولا يستطيع التكلم مع أي شخص منذ فجر الاثنين حتى اليوم.

وكل ما يفكر به هو، كيف تمكن من النجاة من الزلزال رغم أنه يعيش في منطقة عشوائية، ويقول: “فعلاً شعرت أن البناء تمايل بالكامل، وأشعر في كل لحظة أني سأموت؛ لم أعد أستطيع التفكير بالمستقبل”.

بينما ذهبت رنيم مصطفى، (25 عاماً)، وهي من سكان مدينة دمشق، للمقارنة بين ما أحدثته الحرب لديهم من آثار وبين ما تركه الزلزال في نفوسهم.

 تقول “مصطفى”: “كنا أيام القصف عندما ينتهي نشعر أننا نجينا، وكنا نختبئ من القذائف في بيوتنا، أما اليوم نشعر أن الموت يلاحقنا في كل ساعة”.

ويزداد القلق لدى “مصطفى” في الليل، “لم أعد أعرف سبيلاً للنوم ليلاً، وكأن الزلزال لا يحدث إلا في الليل”.

وفي كل مرة تتذكر “مصطفى” تفاصيل ليلة الزلزال، يتملكها نوع من “الضحك الشديد” لينتهي بها إلى “نوبة بكاء”، على عكس من حولها حيث غالبيتهم تتملكهم نوبات بكاء، حسب قولها.

وفور وقوع الحادثة، تطوع الكثير من المعالجين والمعالجات لخدمة الناس المتضررة نفسياً، يذكر علي العلي (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لطبيب نفسي في مدينة دمشق، أنه “يعقب أي كارثة أو صدمة، تزايد الأمراض النفسية بشكل عام، وهذا ما حصل في سوريا أثناء الحرب”.

ولكنه يشير إلى أنه “بعد كارثة الزلزال ازدادت هذه الأمراض، وبشكل خاص اضطراب الشدة الحاد ما بعد الصدمة والذي يستمر لأشهر”.

وبحسب الطبيب “اضطرابات الهلع والقلق والاكتئاب، باتت واضحة لدى السكان”،  مضيفاً أن “الفرق أنها كدلائل وتعابير تظهر عند الكبار أكثر من الصغار، لأن الأطفال تعابيرهم أقل، ولكن ينعكس على تركيزهم ونشاطهم المدرسي”.

من جانبها قالت نهى عيسى (38 عاماً)  وهو اسم مستعار لأخصائية نفسية من مدينة دمشق، إن “حالات راجعتها وخاصة من المراهقين، كانوا يشعرون بعقدة الذنب كيف هم على قيد الحياة وآخرين ماتوا، ويشعرون بالعجز”.

وتشير إلى أن تلك الحالة ناجمة عن الخوف الذي يتحول إلى قلق، وإذا استمرت أكثر من أسبوعين “تتحول إلى حالة اكتئاب وتحتاج أدوية”، وفقاً لـ “عيسى”.

وذكرت الأخصائية، أن أثر الزلزال كان ظاهراً في تصرفات النساء المنزلية، إذ أن معظم النساء “توقفن عن إعداد الطعام والاهتمام بالعائلة”.

وحالة تلك النساء تصنف كـ”درجة متقدمة من اضطراب ما بعد الصدمة الحاد، ومدته ثلاثة أسابيع، وفي حال استمر أكثر بكثير من ذلك علينا اللجوء للطبيب النفسي”.

ويجمع الطبيب والأخصائية على ضرورة إخضاع المعالجين النفسيين في مناطق الزلزال لبرامج “دعم الداعمين” ويفضل “ألا يعالجوا أبناء المنطقة لأنهم تعرضوا لنفس الصدمات النفسية”.

إعداد: دهب محمد – تحرير: فنصة تمو