بعد سنوات من الحرب مع السعر الوهمي “للدولار”.. المركزي السوري يعتمده رسمياً

دمشق ـ نورث برس

بعد سنوات من التجاهل، وما يمكن تشبيهه بالحرب التي أعلنتها الحكومة السورية، يقرِّ المصرف المركزي بتلك الأسعار التي طالما وصفها بأنها “وهمية”.

شن المركزي حرباً وصلت حد “التخوين” للمنصات التي تنشر سعر الصرف، ولمن يتعامل معها، وكان أبرز محطات تلك الحرب هي صدور المرسومين رقم 3 و4 لعام 2020، وبموجبهما يجرَّم كل من يقوم حتى بنشر أي سعر مخالف للسعر الذي يعلنه المركزي أو التعامل بغير الليرة السورية.

خالف التسعيرة

ورغم أن المركزي حافظ طيلة سنوات على سعرٍ شبه ثابت للدولار، ولم يكن يجري تعديلات تتماشى مع أسعار السوق، واعتمد سعراً ثابتاً لا يتغير، إلا بحدودٍ دنيا وبفترات متباعدة وحين يصل الفارق بين السعر الرسمي والموازي إلى مستويات كبيرة، لكن المركزي خالف هذه السياسة اليوم ورفع السعر خلال يوم واحد بما يزيد عن ألفي ليرة، ليضع سعراً معادلاً لسعر السوق الموازي.

ويأتي الإجراء بعد أيام من الإعلان عن سلسلة إجراءات جديدة، قال المركزي إنه سيعلنها خلال أيام، وهي تعاكس سياساته السابقة، إذ اتخذ إجراءً يتيح ضخ مزيد من الليرة السورية في السوق عبر رفع سقف السحب اليومي من المصارف، وسقف التحويل بين المحافظات تزامناً مع الإعلان عن السماح للأشخاص بشراء الدولار، وبسعر يعادل سعر السوق حسب ما حدده اليوم.

عامل نفسي

الإعلامي الاقتصادي رامي أحمد، وهو اسم مستعار، قال لنورث برس، إن المركزي اعتمد في السنوات السابقة مجموعة من الإجراءات أمام حالة التدهور المتسارعة لليرة السورية، إلا أن تلك الإجراءات كانت في معظمها إعلامية أكثر منها اقتصادية.

إذ كان المركزي، يعتمد ودون إعلان رسمي على “العامل النفسي” في تحديد سعر الصرف، تجلى ذلك في نشر تسريبات بين حين وآخر تتبناها مجموعة مواقع وإعلاميين وأشخاص أو محللين موالين للحكومة “يبشرون فيها بأن المركزي سيعقد جلسة تدخل، أو بالإعلان عن خسائر قريبة لمن يحتفظون بالدولار”، بحسب “أحمد”.

وعملت قنوات رسمية كالتلفزيون السوري، على بث أخبار تقول إن “جهات خاصة ستضخ كميات كبيرة من الدولار”، تلك الطرق كانت تحقق نتائج ملموسة خلال أيام، إذ أن عامل الخوف أو الرغبة في المضاربة كان يدفع من لديه عملة صعبة لطرحها في السوق، لكن سرعان ما يفرض الواقع الاقتصادي ذاته ويتبين أن كل ذلك كان عبارة عن حملة إعلامية فيعود سعر الصرف بشكل متسارع للارتفاع، بحسب الإعلامي الاقتصادي.

قسرية

أضاف “أحمد” أن الإجراءات الأخرى، التي يمكن وصفها بأنها اقتصادية، كانت أيضاً تأتي بما يمكن وصفه بـ”الإجراءات القسرية والإجبارية التي تعتمد على قوة السلطات النقدية، وتحكمها بالسياسات النقدية حتى وإن خالفت القانون”.

ومن تلك الإجراءات ما سبق أن اتخذه المركزي من إجراءات تهدف “لسحب السيولة من الليرة السورية من السوق، وخلق طلب قسري على الليرة”، ومثال ذلك ما اتخذه المركزي قبل عامين حين حدد سقف السحب اليومي بمبالغ زهيدة وصلت في بعض الفترات إلى 25 ألف ليرة، وهو ما يعني أن كل من يمتلك حساباً في المصرف لن يستطيع التحكم بأمواله أو استردادها.

وهذا الإجراء كان يقيد، إلى حد كبير، قدرة السوريين على شراء الدولار، وذلك لعدم توافر الليرة السورية، حسب قول “أحمد”.

وتلك السقوف المتدنية “لم تكن معلنة”، ولا تتوافر فيها معايير “الشفافية والأمان” بالنسبة للمتعامل، كما يفترض بالمصارف أن تتصرف. وإن كان المركزي أعلن لاحقاً تحديد سقوف للسحب اليومي والتحويل بين المحافظات بقيت متدنية ولا تستجيب لأبسط متطلبات الحركة التجارية في البلاد (مليون ليرة للسحب اليومي من المصارف، و5 ملايين للنقل بين المحافظات) قبل رفعها مؤخراً.

الأخطر

وقال “أحمد” إن الإجراء الأخطر في تلك الحرب “غير الاقتصادية” فكان إصدار المرسومين 3 و4 في كانون الثاني/ يناير لعام 2020، اللذين حددا عقوبات “قاسية” على من يتعامل بغير الليرة وعلى من ينشر أسعاراً لسعر الصرف، إذ قضى المرسوم رقم 3 بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن 7 سنوات، وبغرامات مالية، على من يتعامل بغير الليرة السورية.

أما المرسوم رقم 4 فقد جرَّم من ينشر أخباراً عن سعر الصرف، أو يتداول أسعاراً غير التي يعلنها المركزي السوري، ويعاقب من يقوم بذلك بالاعتقال المؤقت إضافة إلى غرامة مالية تتراوح بين مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية.

كل تلك الإجراءات وتجاهل السعر الرسمي لم ينفع ولم تكن له، إلا آثار سلبية على المواطن الذي وقع بين نارين: “إما أن يتعامل بالسعر الرسمي الذي كان أحياناً يعادل أقل من نصف سعر الدولار الحقيقي. أو أن يلجأ لشبكات الصرافة في السوق السوداء، الذين يقدمون سعراً أعلى، لكنه أيضاً أقل من القيمة الحقيقية للدولار، يضاف إليها ارتفاع المخاطر المصاحبة لعملية التصريف تلك على الطرفين.

خفض السعر

وهنالك من وصف هذه القرارات بأنها على “السكة الصحيحة”، وأضاف اقتصادي لم يرغب بذكر اسمه لنورث برس، أن المركزي كان مؤخراً يستهدف خفض سعر الصرف إلى ما دون 6 آلاف ليرة على الأقل.

ولكنه مع هذا السعر الجديد حدد سقفاً للدولار لن يتخطاه نزولاً، بل يتوقع أن ترتفع أسعار الصرف خاصة مع رفع قيمة السحب من المصارف، وهو ما يتيح توافر كمية من العملة السورية التي صار الجميع يسعى لتحويلها إلى عملة أخرى أكثر أماناً، أو استخدامها في التجارة وفي الحالتين سيخلق هذا طلباً متزايداً على الدولار، بحسب المصدر.

وأضاف المصدر أنه يبقى السؤال “ما هو الهدف الحقيقي للحكومة من هذا الإجراء؟”.

فالأهداف المعلنة من تنشيط الاستيراد والتصدير، إن لم تترافق مع انتعاش في الإنتاج المحلي ستبقى ضمن مجال التجارة، وستبقى تشكل ضغطاً على الليرة السورية، إذ إن كفة الاستيراد سترجح على كفة التصدير، إن لم يحدث تغير في  واقع الإنتاج المحلي.

وهذا الواقع يبقى ضمن غير المتاح حالياً، إلا إذا كان لدى الحكومة ما قد تقوم به في الفترة القصيرة القادمة لتنمية الإنتاج المحلي، بغير ذلك يبقى سعر الصرف مرشحاً للارتفاع، ويبقى إجراء المركزي “ضمن محاولات الترقيع في مجال السياسات النقدية التي لا تجد دعماً لها من الاقتصاد الكلي”، بحسب المصدر.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله