دواء موجود وثمنه مفقود.. حال السوريين بعد رفع الحكومة أسعار الأدوية

دمشق/ حلب/ درعا ـ نورث برس

يتنفس الستيني ماهر الشلبي, من سكان منطقة دويلعة في دمشق, الصعداء عند حديثه عن أسعار أدويته الحالية, إذ إنه مصاب بمرض القلب.

ويحتاج “الشلبي” إلى أدوية شهرية بأكثر من 70 ألف ليرة سورية, وهو متقاعد من وظيفته الحكومية, يقول لنورث برس: “دواء السارتان ١٦٠ كان سعره قبل زيادة الأسعار 5800 ليرة سورية, بينما صار سعره ٨٥٠٠ ليرة”.

وبسبب تفكيره الزائد بالأوضاع الاقتصادية واحتياجاته وزوجته من أدوية وأطباء، “أتمنى الموت بجلطة كي أرتاح, ولكن أعود وأقول الحمدلله , مهما حدث لا يجب أن نقنط من رحمة الله”.

ويتساءل “الشلبي”، “قبل رفع الأسعار ألم تفكر الحكومة من أين سنأتي بالمال لشراء الأدوية؟”. ويضيف: “لسنا جميعاً من الطبقة المخملية”.

وانعكس ارتفاع أسعار الأدوية على المرضى بشكل سلبي, خاصة مرضى الأمراض المزمنة, الذين يحتجون للدواء شهرياً ولأكثر من علبة.

وفي السابع عشر من هذا الشهر، أعلنت وزارة الصحة السورية, عن زيادة جديدة في أسعار الأدوية المحلية, تشمل آلاف الأصناف الدوائية بنسبة يصل بعضها إلى 80 بالمائة.

وقال العضو في مجلس نقابة الصيادلة محمد نبيل القصير لـ “الوطن أون لاين”، “تمَّ رفع أسعار الأدوية بنسبة 50 بالمئة وشملت معظم أنواع الزمر الدوائية”.

وأضاف “القصير”, أنَّ الزيادة في أنواع أخرى من الأصناف الدوائية وصلت إلى 80 بالمئة, لتشمل الزيادة 12,826 صنفاً دوائياً.

لا يختلف الحال لدى سلوى هلال (47 عاماً) والتي تعمل موظفة حكومية من سكان منطقة المزة, عن سابقها، فالسيدة مريضة بالسكري وكانت تحتاج للأدوية ويبلغ سعرها 50 ألف ليرة سورية بينما اليوم سعرها 120 ألف ليرة, وراتبها لا يتجاوز 130 ألفاً.

تقول “هلال” لنورث برس: “راتبي كله اشتري به أدوية, لولا ابني لا أستطيع العيش فهو يعمل من أجلي ووالده حتى لم يعد يفكر ببناء مستقبله”.

وتضيف السيدة أن نوعاً واحداً من الدواء وهو “يونيكرون كان سعره  ٢٣٠٠ صار ٣٧٠٠ ليرة سورية وهو أرخص دواء لدي بالمقارنة مع الأدوية الأخرى, ودواء سلوفاج١٠٠٠، كان ٣٢٠٠ صار ٥٢٠٠”.

وتحتاج “هلال” أحياناً، لأبر أنسولين “كنا نشتريها بـ20 ألف ليرة سورية وهي صناعة أجنبية, لكن لا أعلم كم سيصبح سعرها اليوم”.

يقول صيدلاني، في دمشق، فضل عدم الكشف عن هويته: “لا ذنب لنا نحن كصيادلة برفع الأسعار في كل مرة. كأننا ندور بنفس الحلقة عند صدور تسعيرة جديد”.

ويسرد الصيدلاني تفاصيل الحلقة التي يدورون فيها، “المعامل تبدأ بقطع الدواء عنا مع ارتفاع أسعار الدولار، والمستودعات تحتكر الدواء الذي بقي لديها, ثم الصيدليات  تفقد الأنواع المطلوبة لفترة، بعدها تصدر تسعيرة جديدة إرضاءً لأصحاب المعامل”.

أسعار الأدوية تحلق عالياً

ويشير إلى أن أدوية القلب والسكر ارتفعت  بنسبة 65%  بشكل تقريبي, وأبر الالتهاب ارتفعت الضعف, الإبرة التي كان سعرها ٣٦٠٠ صارت ٧٢٠٠, الأوغمنتين عيار 1000 صار بـ21100 ليرة سورية.

ويحتاج معن المسلماني (40 عاماً)، من مدينة درعا، أكثر من 15 ألف ليرة سورية يومياً ثمن أدوية للسكري والضغط بعد الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية.

وتحدث “المسلماني” لنورث برس، أنه قبل أسبوع كان يحتاج لـ8 آلاف ليرة سورية ثمن ذات الأدوية، لكن الارتفاع الذي شهدته الأدوية أدى إلى زيادة أسعارها بنسبة 100% تقريباً.

ويضيف العامل في مجال نقل مواد البناء في أحد معامل تصنيع الطوب، أن أجره اليومي لا يتجاوز الـ20 ألف ليرة سورية، وعلى هذا الحال سيذهب أكثر من نصف أجره لشراء الأدوية.

بينما لم يكن حال أحمد الشنوان (37 عاماً)، من درعا، أفضل من سابقه، إذ يضطر بشكل يومي إلى دفع أكثر من 40 ألف ليرة سورية ثمن أدوية لوالدته التي تعاني من مشاكل في القلب، بعد أن كان يشتريها قبل أسبوع بـ25 ألفاً وأقل من ذلك أحياناً.

واستدان “الشنوان”، الذي يعمل سائقاً على سيارة تكسي، مبلغ 100 دولار أميركي من أحد أقاربه وعمل على شراء كمية من الأدوية تكفي والدته لمدة أسبوعين تقريباً بعد أن كان يشتريها بشكل يومي.

دواء أو غذاء

بعد أن أنهى محمد برادعي (72 عاماً) آخر حبة دواء لعلاج مرض الضغط في علبته، لم يفلح في إيجاد علبة جديدة، بعد أن جالَ عدة صيدليات في حي السكري حيث يقيم هو وزوجته.

ولكن ولحسن حظه، حسبما اعتقد للوهلة الأولى، وجد الرجل السبعيني المصاب بالضغط الدواء في إحدى الصيدليات، لكنه صدمَ عندما لم يجد ثمنه فحالته المادية لا تسمح بشراء العلبة بسعرها الجديد.

وارتفع ثمن علبة دواء الضغط من 10 آلاف ليرة، إلى 16.500 ليرة، وهذا ما سيرتب عليه أعباء مالية جديدة.

ويحتاج “برادعي” لعلبتين من دواء الضغط كل شهر، إذ كان يوفر ثمنها على السعر القديم من عمله على بسطة لبيع الكعك في الحي، قبل أن يقعده المرض عن العمل وما زاد الطين بلة، ارتفاع سعر الدواء.

يقول لنورث برس: “لم يعد لي عمل أقتات منه أنا وزوجتي، فصحتي خذلتني وكذلك فعلت الحكومة عندما رفعت سعر الأدوية. هذا الارتفاع أثر علينا نحن الفقراء وهو سيساهم كأمراضنا في تعجيل أجالنا”.

ويحسب غياث ديب (49 عاماً) وهو موظف حكومي في سكان حي الشعار في حلب، ثمن الأدوية المطلوبة لعلاج ابنته ذات الستِّ سنوات، والمصابة بنزلة برد.

ويقول لنورث برس: “أتوقع أن تبلغ قيمة فاتورة الدواء 51 ألفاً، فمعظم الأدوية تضاعفت أسعارها، وراتبي لا يتجاوز ال150 ألف ليرة”.

ويسرد تفاوت أسعار الأدوية، (شراب السعال كان ثمنه 6 آلاف ليرة، بات سعره 11 ألفاً،  وخافض الحرارة من 4 آلاف إلى 7.200 ليرة، ومجموعة الإبر يبلغ ثمنها 10 آلاف بعد ما كانت تباع بـ5500 ليرة، كذلك دواء الالتهاب بلغ ثمنه 9 آلاف ليرة ومجموعة الفيتامينات ب 18ألف ليرة”.

ويرى الرجل أن عليهم في حال المرض أن يموتوا جوعاً، “فحين نشتري الدواء سنحرم من الغذاء”.

إعداد: مرام المحمد/ مؤيد الأشقر/  جورج سعادة ـ تحرير: قيس العبدالله