الموزاييك الدمشقي… مهنةٌ فريدةٌ أطفأت الحرب بريقها

دمشق – صفاء عامر – NPA
مهنةٌ متوارثةٌ من مئات السنين، تتميز بها دمشق وتتفرد، أضافت إليها خصوصية، وحثَّت الزوار على التنقل بين شوارع الشام العتيقة، للوصول إلى هذه التحف التي باتت هديةً ثمينةً وتذكاراً لا يُضاهى.
تضم مدينة دمشق، حرفة الموزاييك، التي تشتهر بها، والتي تعود لأكثر من /700/ عام على الأقل، فيما نَشِطَت هذه الحرفة خلال فترة تواجد العثمانيين في سوريا.
العثمانيون حينها حاولوا احتكار هذا الفنّ، ونقلِ الصناعة والحرفيين وشيوخ الكار، إلى العاصمة العثمانية آستانا "اسطنبول حالياً".
الحرفي أكرم عبود حدَّث "نورث برس" عن الموزاييك  قائلاً: "يُعرف بفنِّ تطعيم الخشب بالصدَف، أو ما يسمى الموزاييك، وهو إدخال مادة الصدف إلى جزيئات من أنواع خشبية مختلفة.
وأردف أنَّه يجري بعدها "نشر الخشب إلى أعوادٍ صغيرةٍ تشكل في ربطها حزمة ألوان مختلفة ثم تقطَّع بشكل شرائح وتجمع مع بعضها البعض ليصاغ الشكل المطلوب".
يعود فضل التطور في فنِّ الموزاييك وفق عبود، إلى جرجي بيطار، الذي ابتكر في القرن التاسع عشر، طريقة تطعيم الخشب بالخشب.
وتابع بأنَّ بيطار "أنشأ مركزاً لمنجور الموزاييك ضمَّ عشرات من العمال الذين تعلموا هذا الفنَّ منه، وتخرَّج من ورشته العديد من الحرفيين،  وهكذا انتقلت الحرفة من جيل لآخر من خلال الورشات الحرفية".
ويؤكّد على أنَّ عدد الذين يعملون في هذه المهنة، بلغ خلال القرن التاسع عشر ما يزيد على /1000/ حرفي.
وعبر الزمن تطور الموزاييك في الشكل والتلوين، مع تطور الأدوات التي تُصنع منه، إذ أكّد عبود على أنَّه لم يعد يقتصر على إنتاج القطع الصغيرة، بل اتجه إلى صناعة المفروشات يدوياً، فأنتج الحرفيون المكاتب والكراسي والكراسي العريضة "القلاطق" وغرف الاستقبال.
ولفت إلى أنَّه عشق المهنة منذ عمر الـ /15/، وتعلّمها عند أحد شيوخ الكار الذي عبَّر عنه بالقول: "له فضل كبير علي ولن أنساه طوال حياتي".
وأضاف متحدِّثاً عن تفاصيلٍ في المهنة: "نستخدم خشب الجوز والليمون والورد والزان في صناعة هذه التحف، ولكن قديماً كانوا يطعّمون الخشب بالصدف ثم أصبح الخشب بمفرده".
ويردفُ قائلاً: "طريقة العمل تحتاج إلى مهارة وبراعة وصبر وحب"، مشيراً إلى أنَّ "قِطع المفروشات باهظة الثمن، ولا يطلبها إلا المقتدرون مالياً، وعادة تُصنع بناء على توصية مسبقة".
يعتني أكرم عبود  بقطعه الموزاييكية كما يعتني بأولاده، في الوقت الذي   يمكن مشاهدة هذه المفروشات والخزائن في الأماكن السورية الرسمية، وفي قصور الشام القديمة.
ويختم قائلاً: "عندما ينطق الخشب على يد الخشاب يكمن سر الموزاييك".