“مول الدراويش”.. أسواق باب جنين مقصد لمعظم سكان حلب

حلب ـ نورث برس

في فترة الظهيرة من كل يوم خميس، اعتاد فرج حسون (50 عاماً)، أن ينهي عمله في ورشة قص الرخام التي يعمل بها في حي الصالحين بحلب ليقصد سوق باب جنين وسط المدينة.

الرجل الخمسيني الذي يقصد السوق لشراء حاجيات منزله بعد أن يتقاضى أجره الأسبوعي يبحث في جنبات السوق وبين بسطاته المتنوعة عن الخضار والفواكه الأرخص ثمناً والمواد التموينية ذات الأسعار الملائمة له.

وصارت أسواق باب جنين “مول الدراويش والبسطاء”، فهذا الحي بات مقصداً لمعظم سكان حلب يأتون إليه أملا في توفير قليل من الأموال هم بأمس الحاجة إليها في ظل ظروف مأساوية يعيشونها.

ويتقاضى “حسون” مبلغ 125 ألف ليرة سورية في الأسبوع من عمله في ورشة قص الرخام، “أحاول توفير ما أمكن منها من خلال قصدي لسوق باب جنين، لأشتري مستلزمات المنزل بأسعار أقل مما هو موجود في أسواق أخرى”.

ويقول لنورث برس: “ففي حي الصالحين حيث أقيم، أشتري كيلو الطماطم بـ2000 ليرة بينما هنا يبلغ سعره 1200  ليرة، وأيضا كيلو البطاطس في منطقتي 1200 ليرة بينما يبلغ ثمنه في باب جنين 1000 ليرة”.

وهذه الفروق في الأسعار تنطبق على معظم أصناف الخضار والفواكه، حتى المواد الغذائية مثل الزيوت والسمن والسكر والرز، بحسب “حسون”، “تباع هنا بأسعار أقل ولو بنسبة ضئيلة عما هي عليه في المحال التجارية”.

وبمقارنة بسيطة بين أسعار السوق والأسعار خارجه، يقول الرجل: “مجيئي لباب جنين وتسوقي متطلبات المنزل لمدة أسبوع يوفر عليَّ على الأقل مبلغ 15 ألف ليرة سورية وهذا المبلغ أنا بأمس الحاجة إليه في ظل الحاجيات والمستلزمات الأخرى التي تتطلبها الأسرة”.

ويضيف من باب المقارنة أيضاً: “صحيح أن البضائع ليست بمواصفات عالية، لكنها تبقى أفضل وأنسب لجيوبنا التي لا تتحمل فواتير باقي الأسواق”.

ويشير بائع الخضار سعيد السيد (29 عاماً)، في حديث لنورث برس، إلى أن معظم السلع والبضائع في باب جنين تباع بأسعار أقل من باقي أسواق حلب.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن معظم أصحاب البسطات يخفضون سعر الصنف الذي يبيعونه سواء خضار أو فواكه أو مواد تموينية وغذائية “بهدف بيع كميات كبيرة، على مبدأ تحقيق ربح بسيط مقابل بيع أكثر”.

وتباع في باب جنين أشياء مستعملة من كهربائيات وخردوات وألبسة وغيرها، ولها زبائن يقصدونها لرخص ثمنها مقارنة بالبضائع الجديدة.

وتعرض في تلك الأسواق بضائع محال تجاري كانت معدة للتصفية أو بضائع كاسدة والتي تفتقد لمواصفات معينة.

ومع استمرار الأزمات في مناطق سيطرة الحكومة ترتفع تكاليف المعيشة، وقال تقرير اقتصادي, في أيلول/سبتمبر الماضي، إن وسطي تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من 5 أشخاص تجاوز الـ3.5 مليون ليرة شهرياً، رغم أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار وقتها لم يكن تجاوز 5.000 ليرة.

ويتجول عدنان خيرالدين (47 عاماً)، بين بسطات الألبسة المستعملة في محاولة منه شراء معطف شتوي لصغيره حسان ذو الأعوام الخمسة.

“خير الدين” الموظف الحكومي الذي يعمل في مديرية الزراعة، يحاول جاهداً أن يجد طلبه بين أكوام الألبسة المستعملة، فالأسعار المرتفعة بشكل “جنوني” في محال الألبسة الجاهزة لا تتناسب مع مدخوله الشهري.

يقول الأربعيني لنورث برس: “أقل سترة شتوية في محال الألبسة يصل سعرها لـ100 ألف ليرة”. ويضيف: “لا قدرة لي على دفع هذا المبلغ فراتبي الحكومي شهرياً لا يصل لـ150 ألف ليرة، فكيف لي بدفع سعر السترة الجديدة؟ لذلك اتجهت لسوق باب جنين للألبسة المستعملة”.

ويشير إلى أن الألبسة “ليست ألبسة بالة مستوردة، وإنما مستعملة تباع بأسعار رخيصة نسبياً تتراوح ما بين 5 آلاف ليرة و25 ألفاً، بعضها يحتاج لحياكة عند الخياط والبعض منها تحتاج لغسيل وكوي”.

ويلخص “خيرالدين” غايتهم ومقصدهم من الألبسة بالقول: “صحيح أنها ليست بمستوى الألبسة الجديدة لا من حيث الموديل ولا الجودة، لكن نحن الفقراء نبحث عن ألبسة تستر أجسادنا وتقينا برد الشتاء وهو الأهم بالنسبة لنا”.

وبعد بحثه بأكوام الألبسة، ومجادلة مع البائع، “حصلت على سترة لطفلي بمبلغ 15 ألف ليرة، وطبعا تجنبت شراءها من المحال بمبلغ 100 ألف ليرة”. ويصف الأربعيني، أسواق باب جنين بـ”ملاذ للفقراء وأصحاب الدخل المحدود”.

إعداد: جورج سعادة ـ تحرير: قيس العبدالله