خبير اقتصادي لـ”نورث برس”: ستةُ أسبابٍ وراء انهيار الليرة ونتائج كارثية مُنتظرة

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
مع بلوغ الليرة السورية أدنى مستوياتها في السوق السوداء مؤخراً، يحبس السوريون أنفاسهم انتظاراً لمآلات وتداعيات صعبة توُسِّع الهوة داخل المجتمع، وترفع من نسبِ الفقر.
هذا ما أكّده في حوارٍ خاص مع "نورث برس" المحلّل الاقتصادي السوري يونس الكريم، والذي حدّد ستةَ أسبابٍ رئيسيةٍ وراء الانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، فضلاً عن تفنيده لأبرز التداعيات والنتائج المتوقعة لذلك الارتفاع، وماهية السيناريوهات المطروحة على مائدة الحكومة السورية للتعاطي مع تلك الأزمة.
في البداية، حدَّد الكريم ستةَ أسبابٍ رئيسيةٍ وراء الانخفاض الكبير لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، وبعضها أسباب تراكمية قديمة، في مقدمتها العقوبات الأمريكية-الأوروبية التي فُرضت على القطاعين المصرفي والنفطي بشكل خاص، في الوقت الذي يعتمد فيه الاقتصاد السوري حالياً على استيراد المنتجات ومستلزمات الحياة اليومية من الخارج، بالتالي الضغط على القطاع المصرفي والتحويلات بصورة كبيرة أثرت بصورة مباشرة على سعر الليرة.
علاوة على أنَّ الضغوط التي يواجهها القطاع النفطي بدورها أسهمت في عرقلة أي جهود من قبل الحكومة السورية لخلق قطاعات منتجة للعملة الأجنبية أو لإشعار الناس بأنَّ الأمور قد تعود لطبيعتها وأنَّه يمكن لسعر الصرف أن يستقر.
صراع الحلفاء
أمّا السببُ الثاني، طبقاً للمحلّل الاقتصادي، فيعود بالأساس إلى أن ما سمّاه بـ"صراع" حلفاء الحكومة السورية (إيران وروسيا تحديداً) للاستحواذ على مؤسسات الدولة، ما جعل المستثمرين بالداخل السوري وكذا الأجانب يشعرون بأنَّه لا قيمة ولا معنى لوجود استثمارات داخل سوريا في ظل سيطرة موسكو وطهران على أهم القطاعات السيادية بالدولة السورية، إضافة إلى الصراع بين رجال الأعمال الموالين أو المحسوبين على كل طرف من الطرفين، ما قاد لشعور المستثمرين بأنَّه لا أمان ولا سيادة للدولة السورية على المؤسسات الاستثمارية التابعة.
والسببُ الثالث، طبقاً لتحليل يونس الكريم للوضع في حديث خاص مع "نورث برس"، يرتبط بما وصفه "استعجال روسيا الحلَ السياسي" وذلك بسيطرتها على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهي مناطق كان يقوم المانحون والمغتربون بصب مساعداتهم المالية إليها بالعملة الأجنبية، ما يولّد بعضاً من الدخل الأجنبي للداخل السوري، "لكن استعجال الروس ذلك دون منح الحكومة السورية فرصة لترتيب أوراقها لإيجاد بدائل، من بينها مثلاً الضغط على منظمات الأمم المتحدة للانتقال إلى مناطق أخرى في الملف الإغاثي والمساعدات، والتعامل مع المنظمات المدنية الأخرى"، مشيراً إلى أنَّ "إدلب تُعتبر أحد نتائج استعجال روسيا، رغم أنَّ إدلب تُعتبر ثمناً لشراء الروس ميناء طرطوس" على حدِّ قوله.
بينما السببُ الرابع فيعود إلى "سوء إدارة السلطة النقدية لملف العملة الأجنبية، حتى صار الاحتياطي في أدنى مستوياته… يضاف إلى ذلك التصريحات التي يُدلي بها حاكم البنك المركزي، والتي تُعتبر الأسوأ على الإطلاق، وغير مشجعة تماماً… الحكومة السورية تصدر قراراتٍ غير مهنيّة من الناحية الاقتصادية، تثير الذعر لدى المواطنين العاديين… حتى أنَّ محاولاتها لتكون الحوالات المالية ضمن الحوالات الرسمية المصرفية، باءت بالفشل لأنها قادت أمراء الحرب لتهريب أموالهم إلى الخارج".
لبنان أيضاً
يضاف إلى تلك الأسباب سببٌ خامسٌ، طبقاً للمحلّل الاقتصادي السوري الذي فند لدى حديثه مع "نورث برس" تفاصيل وضع الليرة ومستقبلها، ويرتبط بالوضع في لبنان، ذلك أنَّ "حزب الله والحكومة الموالية له في لبنان كانا يشجعان رجال الأعمال السوريين والمستثمرين على دعم الليرة السورية… ومع التسريبات الأخيرة بأن لبنان مُقبلٌ على الإفلاس، قاد ذلك الأمر المستثمرين إلى البحث عن التخارج من لبنان والذهاب باستثماراتهم إلى الخارج، بعيداً عن تلك المحرقة".
أما السببُ السادس فيرتبط بالعقبات التي تواجه الشركات الوهمية التي تتحدى بها بعض الدول العقوبات الأمريكية، ذلك أنَّ دول الخليج التي كانت تسعى لتلافي تلك العقوبات الأمريكية من خلال العمل عبر شركات وهمية من الأردن أو لبنان صارت في مأزق بعد التصريحات الأمريكية والعقوبات الجديّة التي تهدّد كل من يتعامل مع الحكومة السورية حتى ولو عبر تلك الشركات الوهمية.
نتائج وتداعيات
وعن أهم النتائج المترتبة على انهيار سعر صرف الليرة، يقول المحلّل الاقتصادي إنَّ أوَّل تلك النتائج تعلقٌ بانهيار الميزانية التقديرية التي وُضِعَت للعام الجاري 2019، والتي قدَّرت الدولار بـ/435/ ليرة والآن وصل إلى /640/ ليرة، أي بزيادة بلغت نحو /48%/ جملةً واحدةً.
يؤدي ذلك أيضاً – وفق الكريم – إلى رفع الدعم والمزيد من تحرير الأسعار، فضلاً عن التوسُّع في سياسة خصخصة قطاعات الدولة؛ بسبب عجز الدولة عن القيام بدورها. ومن المتوقع أيضاً رفض العمال والموظفين العمل؛ كون الدخل لم يعد يكفيهم لشراء الاحتياجات الأساسية، مع زيادة نسب الفقر من (85% إلى 91%)، فضلاً عن تأثير ذلك الوضع على ملف إعادة الإعمار وكلفته.
ويعتقد المحلّل الاقتصادي السوري بأنَّه لا سبيل أمام الحكومة إلا رفع سعر الصرف الرسمي إلى /550/ ليرة للدولار الواحد، مع العمل على إجراء تغييرات هيكلية في الحقائب الوزارية المالية والمسؤولين الاقتصاديين بدايةً من حاكم البنك المركزي.