“فقدت زوجي ثم منزلي”.. مأساة نازحة في مخيم بالرقة
عين عيسى – نورث برس
في خيمتها التي تتسلل إليها رياح الشتاء الباردة من كل جوانبها، تقضي مريم حياة تصفها بـ”الكئيبة”، فحيثما تولّي وجهها وأينما تصوّب ناظريها لا تجد سوى الخيم من حولها.
لا تنفك مريم الحمد ( 36عاماً) عن قول “الحمد لله” عقب كل جملة ترويها من مأساتها ومعاناتها خلال خمس سنوات مضت على نزوحها وعائلتها.
في ذات الخيمة، تروي النازحة من قرية العلي باجلية بريف مدينة تل أبيض، شمالي سوريا، مأساتها التي بدأت عام 2017 عند وفاة زوجها إثر انفجار عبوة ناسفة وُضعت تحت كرسي القيادة في سيارته.

تقول إن زوجها كان ذاهباً في سيارته وبرفقته أولادها الأربعة، أكبرهم 8 سنوات حينها، وإذ بسيارته تنفجر في منتصف الطريق.
وإلى الآن، تجهل الفاعلين أو السبب الذي جعلهم يضعون لزوجها تلك العبوة التي أودت بحياته، وتستدرك “الله سلملي ويلادي، الحمدلله”.
تحاول “الحمد” مراراً معرفة ما قاله زوجها لطفله قبل أن يفارق الحياة، لكنه لا يخبرها، يجيبها بأنه سره وبقي الطفل متأثراً بما قاله والده وما تعرضوا له، “إلى الآن أجده يبكي سراً”.
استطاعت “الحمد” تجاوز محنتها ومتابعة حياتها والاهتمام بأملاكها وزراعة أرضها، إلى حين دخول الفصائل المسلحة الموالية لتركيا لقريتها.
وفي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، شنت تركيا برفقة فصائل مسلحة موالية لها، عملية عسكرية ضد سري كانيه وتل أبيض، انتهت بسيطرتها على المنطقتين ونزوح نحو 300 ألف شخص منها، بحسب إحصائيات للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
عندها، أُجبرت السيدة الثلاثينية على النزوح أيضاً وترك بيتها وأرضها وسكنت في مخيم تل السمن، ووردها خبر بعد فترة وجيزة من مغادرتها أن عناصر من الفصائل استولوا على منزلها وأرضها، “حتى محصول أرضي يأخذونه”.
وتواصلت مع أقاربها في القرية وأوكلتهم في الأرض والمنزل، لكنهم رفضوا ذلك، “لا حيلة بيدهم لاسترجاع شيء أو حتى السؤال عن سبب الاستيلاء عليها”.
وبعد الاجتياح التركي لمناطق في شمال شرقي سوريا، أنشأت الإدارة الذاتية مخيم تل السمن الذي يضم نازحين من مناطق ريف تل أبيض وقرى خط التماس بين “قسد” والقوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها.
وبرجفة في صوتها تنم عن غصة تضيف، “فقدت زوجي أولاً ومن ثم فقدت منزلي وكل ما أملك، لم يتبقَ لي ولأولادي سوى هذه الخيمة التي لا تقينا من حرارة الصيف وبرد الشتاء”.
وتعاني “الحمد” من ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة، وسط قلة المساعدات والدعم والخدمات ويشاطرها في ذلك حوالي 6621 نازح موزعين على 1261 عائلة، غالبيتهم من كبار السن وأطفال ونساء، يقطنون في مخيم تل السمن شمالي الرقة.

ومع تصعيد القصف التركي مؤخراً على مناطق في الشمال السوري وتلويح أنقرة بعملية برية جديدة، تخشى النازحة على حياة أطفالها ورحلة نزوح جديدة لا تدري أين ينتهي بها الأمر.
وبعد خمس سنوات من النزوح لم تستطع “الحمد” بعد، التأقلم مع العيش في المخيم، في الوقت الذي تفتقد الأم وأولادها إلى معيل، معتمدين على إعانات شهرية لا تسد رمق العيش.
وفي ظل ذلك، تصف ظروفها المعيشية في المخيم، بـ”دون المتوسط”، لكنها مُجبرة على ذلك، بعد أن اضطرت مرغمة على النزوح.
ويراودها الأمل بالعودة إلى منزلها وقريتها، وخروج “المحتل التركي” كما وصفته، من أراضيهم حتى وإن كانت العودة بعيدة “أملي بالله كبير”.