ظروف استثنائية للعمل الصحافي في مناطق سيطرة الحكومة
السويداء ـ نورث برس
وسط مخاوف من أثر الكلمة وفي وقت أصبح الإعلام مرجعاً لتاريخ منطقة، ومسؤولاً عن تقدم مجتمع، وبين تاريخ ومستقبل، يبقى حاضر الإعلام معرَّضاً للتهدد والملاحقة وفق واقع سياسي مفروض.
ريان معروف مسؤول تحرير ”شبكة السويداء 24” يقول لنورث برس، إنّ الخيارات أمام الصحفي “في بيئة خاضعة لرقابة أمنية مشددة محدودة جداً”، فإما أن يعمل بشكل صريح ضمن مؤسسات إعلامية مرخصة لدى سلطات الأمر الواقع، وبالتالي يخضع لمجموعة من الخطوط الحمراء قيد عمله، أو العمل بأسماء حركية دون الكشف عن هويته.
والعمل باسم حركي يضمن “الاستقلالية والمهنية إلى حد ما، ويساهم في نقل الحقائق، دون مجابهة سلطات الأمر الواقع، وهذا يتطلب بذل جهود أكبر في التواصل والعلاقات والحفاظ على السرية والسلامة الشخصية”، بحسب “معروف”.
ويؤكد أنّ الصحفي يصبح مهدداً في حال تم الكشف عن هويته، “كما يحصل في مختلف المناطق السورية حالياً، وخصوصاً في مناطق سيطرة النظام”.
ويرى “معروف” أن الاهتمام بالبحث عن الحقيقة ونقلها للرأي العام، وإيصال صوت السكان في بيئة خضعت لرقابة صارمة، توجب على الصحفي اتخاذ أعلى درجات الحرص والمسؤولية في الحفاظ على سلامته الشخصية، والحفاظ على سلامة مصادره.
ويتوجب على الصحفي الحرص في مسألة الأمن الرقمي واتباع الوسائل التي تضمن عدم تعقبه إلكترونياً من سلطات الأمر الواقع، بالإضافة إلى تجنب العمل باسمه الصريح إذا كان يغطي قضايا حساسة، أمنية وسياسية.
ويشير “معروف” إلى أنه للأسباب التي ذكرت سابقاً، يتجنب الصحفي العمل على التقارير المرئية في مناطق سيطرة الحكومة والاعتماد على المواد المكتوبة.
قتل وتهديدات
ولعلّ ما يثير الخوف من العمل الصحفي في مناطق سيطرة الحكومة أن إيصال الكلمة قد يكلف الصحفي حياته من اغتيالات واعتقالات وصولاً لتهديد الصحفي بأهله.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، تصدرت سوريا القائمة بأعداد القتلى من الصحفيين، فقد قتل 700 صحافي سوري وعامل في المجال الإعلامي من أصل 860 صحافياً قتلوا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقد الماضي.
وتعرض الصحفي عبد الرحمن الأحمد من محافظة درعا، جنوبي سوريا، لعدة إصابات قبل عام 2018 ولمحاولة اغتيال، واعتقل والده وقضى داخل المعتقل بينما فقد شقيقه بعبوة ناسفة.
كلّ ما سبق من انتهاكات بحق “الأحمد”، كان بسبب نشاطه الصحفي وتوثيقه للانتهاكات ونقله للمعاناة.
ويؤكّد في حديث لنورث برس، أنه منذ بداية الحراك وحتى عام 2018 “كانت الاغتيالات على أثر الكلمة، من اغتيال الصحفي إبراهيم المنجر، إلى عمليات الاعتقالات والتسلم من قبل مخبرين لقوات النظام كاعتقال محمود مرعي أبو ماريا ومحمد مباشر”.
وبعد صيف عام 2018، وما أعقبه من سيطرة لقوات الحكومة على المحافظة، وبسبب الملاحقات الأمنية للصحفيين اضطر عدد كبير منهم للخروج إلى الدول الأوروبية، بحسب قول “الأحمد”.
ويقول الصحفي إن “العمل الصحفي في مناطق محاذية لسيطرة النظام حولت حياة الصحفي للتنقل من مكان لآخر خوفاً من الملاحقات والاغتيالات”.
دور المؤسسات الصحفية
رغم كل التوصيات الدولية بضرورة احترام العمل الصحفي وتأمين الحماية له إلا أن الواقع على الأرض ليس كذلك فبعد عقد من الحرب وتحت وقع التهديدات والملاحقات الأمنية وفي ظل عدم الدعم الكافي للصحفيين اضطر معظمهم للهجرة.
وفي هذا الجانب يتحدث “الأحمد” عن مساعدات قدمتها بعض المؤسسات الصحفية الدولية والسورية تمثلت بإرسال توصيات لدعم ملفات اللجوء الخاصة بالصحفيين إن كان بالداخل السوري أو بدول الجوار.
واقصرت المساعدات فقط على تسهيل هجرة بعض الصحفيين في زمن سقطت فيه كل المعاهدات الدولية والإنسانية لاحترام حرية الإعلام والصحافية.
وتبقى العلاقة بين أثر الإعلام ودعم المجتمع، “متناسبة”، فنقل الأوجاع والمعاناة بموضوعية تكسب ثقة شعبية.
ويصف مسؤول تحرير موقع “السويداء 24” الدعم الشعبي للعمل الصحفي “بالمقبول” إلى حد معين، ولكن بالمحصلة “لا يمكن للبيئة الشعبية أن توفر الحماية المطلوبة للصحفي في حال أصبح خصماً لقوى الأمر الواقع”.
فبحسب “معروف” قد توفر البيئة الشعبية للصحفي “هامشاً من الحماية عبر الحالة التضامنية. لكن بالمحصلة البيئة الشعبية غير قادرة على حماية نفسها حتى تحمي الصحفيين”.
ويؤكد “معروف”، على ضرورة وجود إعلام مستقل بعيد عن لغة الإقصاء والتحيز لقوى الأمر الواقع.
ويشدد على وجوب وقوف الإعلام إلى جانب الحلقة الأضعف “المدنيين”، ونقل همومهم ومشاكلهم وحراكهم، وضرورة التزام الصحفي بالمهنية وبأخلاقيات الصحافة، في البحث عن الحقيقة وإيصالها للرأي العام، فالصحافة الحرّة كفيلة بإحداث تغيير حقيقي.