“من سيء لأسوء”.. سوريون رحّلتهم تركيا قسراً لإدلب لا يجدون فرص عمل
إدلب – نورث برس
في الساحة الرئيسية وعلى الطريق الواصل بين مدينة سرمدا ومعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا شمالي إدلب، يجلس علي مع شبان آخرين منتظراً أن يطلب منه أحد السكان العمل في تحميل الأثاث أو عتالة المواد مقابل بعض المال.
يقول علي المحمد (33 عاماً) الذي تم ترحيله قسراً مع عائلته قبل نحو ثلاثة أشهر من تركيا إلى إدلب، إنه غالباً يعود إلى خيمته خاوي الوفاض بسبب قلة العمل.
وعملت تركيا منذ نحو عام ونصف على ترحيل سوريين من أراضيها قسراً إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام في ريفي إدلب وحلب شمال غربي سوريا.
ومنذ بداية العام الجاري، رحلت تركيا نحو 14870 شخصاً عبر معبر باب الهوى مع أراضيها شمالي إدلب، وفقاً لإحصائية خاصة حصلت عليها نورث برس من إدارة المعبر.
يشير “المحمد”، وهو نازح من مدينة الرستن شمالي حمص، إلى أنه لم يكن يتوقع أن الأمور بعد ترحيله ستكون أسوء مما عليه في تركيا لدرجة أنه سيبقى لنحو شهر في منزل أحد الأشخاص الذين تم ترحيله معه قبل أن يتمكن من تأمين خيمة في مخيم بالقرب من سرمدا.
وكان “المحمد” قد دخل إلى تركيا عام 2018 بطريقة غير شرعية برفقة زوجته وطفله واستقر في مدينة مرسين، ومطلع تموز/ يوليو الفائت انتقل مع عائلته التي باتت مؤلفة من أربعة أفراد إلى إسطنبول بعد أن تمكن من إيجاد فرصة عمل أفضل من تلك التي كان يعمل بها في مرسين.

لكن أثناء توجههم إلى إسطنبول، أوقفتهم دورية للشرطة التركية، كما جميع السوريين الذين كانوا في الحافلة، ليتم ترحيلهم بعد أيام إلى إدلب، كما يروي لنورث برس.
“ترحيل تعسفي”
وتسعى تركيا لإخلاء أراضيها من اللاجئين السوريين بحلول العام المقبل، وفقاً لما تعهدت به وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، داريا يانيك، مؤخراً.
وبحسب لاجئين سوريين في تركيا، فإن الأخيرة تقوم بترحيل حتى العائلات التي تمتلك بطاقات حماية مؤقتة، فضلاً عن المضايقات التي يتعرضون لها في ما يخص العمل والتنقل بين الولايات التركية.
وفي تقرير صدر عنها قبل أسبوع، قالت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية “هيومن رايتس ووتش”، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل “تعسفي” مئات اللاجئين السوريين إلى سوريا خلال النصف الأول من العام الجاري.
ونقلت المنظمة عن عشرات المرحلين أو المهددين بالترحيل قولهم، إن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع واحتجزوهم في ظروف سيئة وضربوا معظمهم وأساءوا إليهم، وأجبروهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية والعبور تحت تهديد السلاح.
ويتشاطر ياسين خربطلي (28 عاماً) المعاناة ذاتها مع سابقه، فهو الآخر منذ أن رُحّل إلى إدلب مطلع الشهر الفائت، لم يجد عملاً ثابتاً يؤمن من خلاله مصروفه.
يقول “خربطلي” الذي يقيم حالياً مع شبان مرحّلين من تركيا في منزل غير مجهز بمدينة إدلب، “العمل هنا مهما كان أجره عالياً لا يتجاوز الـ50 ليرة تركية وهكذا مبلغ بالكاد يكفي مصروفي الشخصي، هذا إن كان متوفراً دائماً، لا يوجد عمل دائم نعمل يوم ونعطل أسبوع”.
خيارات محدودة
ووصلت نسبة البطالة في شمال غربي سوريا إلى 89 بالمئة، وفقاً لإحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا”.
وفي شباط/ فبراير العام الماضي، نشر الفريق استبياناً أشار فيه إلى أن فرص العمل لا تأتي مبكرة، فالأصغر سناً دون الخامسة والعشرين عاماً، نسبة البطالة عندهم 85%، مقارنة مع من تفوق أعمارهم 35 سنة بنسبة 50%.
أما من حيث النوع، فإنّ نسبة العاملين من الرجال 35%، في حين أن نسبة العاملات من النساء 17%، لافتاً إلى أنه لا يمكن الجزم بطبيعة الحال بأن هذه النسبة تعكس الوضع العام في المنطقة، بحسب ما ورد في استبيان الفريق.
في حين يقل معدل دخل عمال المياومة بإدلب شهرياً عن 55 دولاراً، وهو أقل من المعدل العام في سوريا الذي يبلغ 63 دولار، حسب تقييم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

ويعمل نورس سليمان (38 عاماً) نازح من ريف إدلب الجنوبي، في جمع البلاستيك وعلب العصائر من الألمنيوم والحديد بهدف بيعها، وذلك بعد أكثر من شهر ونصف من العمل في مهن مختلفة لم يتجاوز أجر أفضلها الأربعين ليرة تركية يومياً.
ويجني “سليمان” الذي يقيم في مخيم عطاء بمنطقة أطمة شمالي إدلب برفقة عائلته المكونة من أربعة أفراد، من عمله الحالي ما لا يقل عن 70 ليرة تركية يومياً، وفقاً لما ذكره لنورث برس.
ويقول إنه بعد ترحيله من تركيا في رمضان الفائت إلى إدلب، لم يترك عملاً إلا وعمل به، لكن لم يتوفق بأي عمل دائم، “لذا قررت جمع البلاستيك والألمنيوم وبيعها رغم نظرة المجتمع السيئة لمن يعمل في هذا المجال”.