أعمال خيرية تركية لبناء مستوطنات عرقية في سوريا، ما هي القصة ؟

إدلب – نورث برس

تدعم تركيا بعد تدخلها المباشر في الحرب السورية، التركمان السوريين وتعتبرهم رأس الحربة في سياستها في المنطقة، فمن دعمها المباشر لفصائل سليمان شاه (العمشات) والسلطان مراد المكونَين من التركمان، إلى الانتهاء قبل يومين من توقيع بروتوكول بناء مستوطنة جديدة في إدلب غربي البلاد للتركمان السوريين.

وتعمل تركيا منذ سنوات على بناء مستوطنات في مناطق مختلفة من إدلب وعفرين شمالي حلب، بهدف توطين لاجئين سوريين فيها، تحت شعارات براقة اعتبرها ناشطون عناوين لتغيير ديمغرافي في البلد المهمش بفعل الحرب منذ سنوات.

وفي الخامس من أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت تركيا عن افتتاح “مُجمّع قرية الزعيم”، مستوطنة تركية بدعم فلسطيني، بالقرب من قرية المحمدية جنوب جنديرس، بريف عفرين.

وسياسة بناء المستوطنات ليست بجديدة على تركيا، ولكن اللافت في الأمر هذه المرة أنها خصصتها للسوريين من أصول تركية ” التركمان”.

والخميس الماضي، نشرت صحيفة “يني شفق” التركية، أن الشركة المملوكة للنائب السابق في حزب العدالة والتنمية ورجل الأعمال التركي، صبري فاران وزوجته، تعتزم بناء مستوطنة في ريف إدلب، خاصة بالسوريين التركمان.

مستوطنة بتصنيف عرقي

وقال طه الغازي ناشط في قضايا اللاجئين، إن “أي مشروع يحمل الصفة الخيرية ويتم تحديد المستفيدين منه على أساس مذهبي أو عرقي، فهو يخرج من تسمية أنه خيري بشكلٍ قطعي”.

وأضاف الغازي في تصريح خاص لنورث برس، أن هذا المشروع سوف يفتح المجال ويمهد الطريق أمام مشاريع مماثلة “قائمة على أساس تصنيف عرقي” وهذا يتنافى مع كل ما يمس واقع التعامل من قبل الهيئات أو المنظمات أو الحكومات مع ملف اللاجئين.

وأشار إلى أن التركمان أو الكرد أو الأرمن، مكونات أساسية داخل المجتمع السوري، “ولم يكون هناك تمييز عنصري قبل الثورة كما يحصل اليوم”.

وشدد على أن هكذا مشاريع “تعمل على إعادة هندسة ديموغرافية في مناطق الريف الشمالي”.

ويتساءل إذا ما كان يحق لجهة التمويل (تركيا) تسمية المشروع بمسميات تركية ؟!.

وأشار الغازي إلى غياب مؤسسات المعارضة السورية عن كل ما يتعلق بمشاريع إعادة اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري التي أقرتها الحكومة التركية.

وقال إن مؤسسات المعارضة السورية غائبة فعلياً عن كل ما يتعلق بواقع اللاجئين السوريين وجزء من المنظمات التابعة لها باتت كجهة مشرفة أو حتى تنفيذية على بناء الوحدات السكنية في مناطق الشمال السوري.

أحياء بتسميات تركية

وتحدث تقرير الصحيفة التركية المذكورة آنفاً، عن أن المشروع الجديد يتضمن بناء مستوطنة مؤلفة من 450 وحدة سكنية، يحمل اسم (كوموش خانة)، تيمناً باسم الولاية التركية التي تحمل الاسم ذاته.

وسيتم تسمية شوارع المستوطنة على اسم مناطق “جوموشانه ، تورول ، سيران ، كلكيت ، كوس وكورتون”، كما سيتم تسمية ساحة الحي بـ” ميدان جوموشانه”.

وقال رجل الأعمال فاران في إفادة للصحيفة: “لقد قمنا بهذا العمل الميمون بمبلغ تبرع قدره 10 ملايين ليرة تركية، بناء على تعليمات من رئيسنا رجب طيب أردوغان وبالتنسيق مع وزير الداخلية سليمان صويلو ومسؤولي إدارة الكوارث والطوارئ” وفقاً للصحيفة.

وأضاف: “وصلنا بها إلى المرحلة النهائية بالبروتوكول الموقع، وسيقيم أبناء التركمان في 450 منزلاً من المخطط لها أن تنتهي قبل حلول العام الجديد”.

وسوف يطلق على ساحة المستوطنة اسم “ميدان جوموشاني” تيمناً باسم “أحمد ضياء الدين جوموشاني”، وهو عالم عثماني إسلامي تولد وتوفي في القرن التاسع عشر في كمشخانة بإيالة طرابزون التركية، كما تسمى اليوم.

ورقة انتخابية

وتذهب جميع تحركات تركيا انطلاقاً من موضوع التقارب مع الحكومة السورية، وانتهاءً بروايتها المزعومة بتأمين العودة الأمنة للسورين إلى بلادهم، إلى أنها تسعى لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات التركية.

ويعد ملف اللاجئين السوريين في تركيا، اليوم، أحد أبرز ملفات الصراع الانتخابي بين الحكومة التركية والمعارضة، وكل طرف يستثمره بطريقته.

ومطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، علقت أسلي أيدينتاسباس، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لشبكة “سي إن إن”، “أن الإشارات التركية الإيجابية تجاه الحكومة السورية، من المرجح أن تكون جزءاً من تعهد أردوغان الانتخابي”.

وأشارت إلى أن “التصريحات التصالحية من قبل المسؤولين الأتراك هي خطوة محسوبة وموجهة إلى الجمهور المحلي قبل انتخابات العام المقبل”.

وقال  معاذ إبراهيم أوغلو، وهو صحفي تركي، في وقت سابق لنورث برس، إن المعارضة التركية سوف تستهدف السوريين في الانتخابات القادمة.

وأضاف أن حكومة حزب العدالة والتنمية، “لن تحرك ساكناً عندما ترى الأصوات ضد السوريين مرتفعة، حيث سيكونون هدفاً في العديد من الأماكن”.

ويعاني السوريون في تركيا من حملات كراهية وعنصرية متنامية تصل إلى القتل في الكثير من الحالات، وقال تقرير لهيومن رايتس واتش الأسبوع الفائت، إن تركيا رحّلت عشرات الآلاف من السوريين وعذبتهم في مراكز للاحتجاز.

إعداد: إحسان محمد – تحرير: فنصة تمو