المنازل الطينية في أرياف الحسكة.. ترميم سنوي لا بد منه قبل حلول الشتاء
الحسكة – نورث برس
يحاول يوسف، برفقة أفراد عائلته وعدد من أقاربه الإسراع في عملية ترميم منزله الطيني، كطقس سنوي اعتاد عليه كل عام قبل هطول الأمطار الشتوية.
يوسف الحترا (49 عاماً) من سكان قرية الحمر بريف الحسكة، يتكون منزله من ثلاث غرف ومنتفعاتها، وهي عبارة عن سقف من الطين وبعض عواميد الخشب والنايلون، في حين أن الجدران مبنية من حجر البلوك.
“الحترا” الذي تتألف عائلته من 12 فرداً، ويعتمد في معيشته على الأعمال الحرة والزراعة، حاله كحال غالبية سكان القرى في أرياف الحسكة، لا يزال يسكن في منزل طيني لعجزه عن بناء آخر إسمنتي.

يقول الرجل الأربعيني، بينما تظهر خلفه كميات من القش والتراب، إنه نتيجة الظروف المعيشية الصعبة وغلاء مواد البناء من إسمنت وحديد وغيرها، يرمم منزله سنوياً تجنباً لتسرب مياه الأمطار إلى داخلها في الشتاء.
وفي هذا الشهر من كل عام، ينهمك سكان المنازل الطينية في أرياف الحسكة بترميمها، حيث يقومون بقشر الطين الناشف والقديم فوق أسطح البيوت، ومد طبقة كثيفة من القش.
وتبدأ بعدها عملية تجهيز الطين (أو الجبلة كما يُقال محلياً)، عبر نقع التراب ليومٍ كامل مع الماء عقب خلطه بالتبن، ما يساعد في تماسك الطين وعدم تشققه بعد التطيين.
ويتقاسم مشاركون في العمل الأدوار فيما بينهم، فيعمل أحدهم بعجن الطين جيداً بقدميه، وتقليبه بالمجرفة، بينما يقوم آخرٌ بتعبئته في سطول مخصصة للوحل ورفعها إلى سطح المنزل.
وعلى السطح، هناك دائماً شخص ذو خبرة في صيانة هذه المنازل، يقوم بتطيين السطح الترابي وتعديله وتمليسه، وعند الانتهاء يقوم برش الملح فوق السطح، لمنع إنبات الحشائش والأعشاب التي ستفسد التراب الصقيل.
وتمتاز البيوت الطينية بقلة تكاليفها وسهولة بنائها، حيث تتوفر معظم موادها في الطبيعة، كما أنها تكون دافئة في الشتاء ومعتدلة الحرارة خلال الصيف، ما يجعلها بديلاً جيداً عن المنازل الإسمنتية لذوي الدخل المحدود.
وتتألف هذه البيوت من عدة مواد متوفرة وسهلة المنال وهي التراب والمياه والقش والفراز (من مخلفات محصول القمح أو الشعير).
وفي أرياف الحسكة، تشاهد منازل مصنوعة من الطين بالكامل، في حين بعضها الآخر نصفها مبينة من أحجار البلوك ونصفها الآخر من الطين.

وهذا العام، أراد مرشد السعيد الحترا (53 عاماً)، من قرية الحمر الغربية، بناء منزل إسمنتي بديل غرفة قديمة تأوي عائلته المؤلفة من 12 فرداً، لكن وبعد حساب التكلفة التقديرية للبناء، تراجع عن ذلك.
ويقول مرشد وهو مزارع، إن بناء منزل من الإسمنت سيكلفه على الأقل ما بين 24 و25 مليون ليرة سورية، “وهي تفوق قدرتنا”، لذا فضل بناء منزل من البلوك على أنه يكون سقفه من الطين.
ويبلغ سعر المتر الواحد من مادة البحص نحو 7 دولار، ومثلها لمادة الرمل، في حين يبلغ طن الحديد 850 دولاراً، وطن الإسمنت نحو 100 دولار وحجر البلوك الواحد بنحو 0.35 دولار.
الحال لدى عمر الفارس (26 عاماً)، من سكان قرية الحمر الغربية، لا يختلف عن سابقيه، فهو الآخر يسكن مع عائلته المكونة من خمسة أفراد في منزل طيني كان قد بناه منذ نحو 8 سنوات.
ويقول الشاب العشريني، إنه لا يملك إمكانات مادية لبناء منزل من الإسمنت، فيلجأ سنوياً لترميم منزله الطيني قبل حلول الشتاء.
ويضيف: “الاعتماد على المنازل الطينية لا تكلفنا شيئاً، كما أننا لا نجلب عمالاً للبناء، إذ يتساعد الأقارب في عملية الترميم”.