طلاب سوريون بمصر بالكاد يتعرفون إلى الأحرف

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
مفارقةٌ قادت طفلين إلى أن يلتقيا معاً بالصدفة، على اختلاف ظروفهما؛ آدم (5 أعوام) مصري يعيش بحي المعادي (جنوب القاهرة)، وعُمر (10 أعوام) سوري جاء إلى القاهرة قبيل أعوامٍ قليلةٍ.
الأوّل كان برفقة والدته التي ذهبت للاستفسار عن طبيعة الخدمات التعليمية المجانية المقدّمة من أحد المراكز السورية بالحي، وما إن كان يُمكن للأطفال المصريين الالتحاق بالمركز من عدمه، وهو المركز الذي يداوم فيه الثاني بصورةٍ يوميةٍ لتلقي دروسه حتى في أيام الإجازة الصيفية.
طفلان، أحدهما عمره ضعف عمر الآخر، بينما الأوّل ابن الخمس سنوات، يُجيد الحروف الإنجليزية (قراءة وكتابة) وبعض الكلمات والجُمل القصيرة التي تعلمها في إحدى الحضانات طيلة عامٍ مضى؛ والثاني، ابن الـ 10 أعوام، يُداوم بالمركز من أجل تعلمها، على الرغم أنه مُسجّل بإحدى المدارس المصرية بالصف الثالث الابتدائي! على اعتبار أنّ ما فاته من التحصيل المدرسي خلال رحلة النزوح الداخلي وحتى اللجوء إلى مصر كان وقتاً طويلاً، لم يتسن له تلقي التعليم خلال تلك الفترة بشكلٍ مناسبٍ، حتى ما إن استقر بمصر، تم تسجيله بإحدى المدارس الحكومية، وفقاً لعمره، وليس وفقاً لتحصيله الدراسي.
وصار الطفل الذي يفتقد الأساسيات والمبادئ الرئيسية صار مُطالباً بدراسة مناهج أكبر من قدراته بعد أن قفز مراحلاً تعليميةً مرةً واحدةً، دون تأسيسٍ سليمٍ.
تلك المفارقة التي رصدها مراسل "نورث برس" لدى تفقده المركز المذكور، لا تؤشر على حالةٍ فرديةٍ فقط لأطفال سوريين، بل إنّ كثيرين يعانون من تلك المعضلة.
رئيس مؤسسة وطن السورية بالقاهرة أمير شهلا، يقول لـ "نورث برس"، إنّ ذلك الأمر يُعّد تحدّياً كبيراً من التحدّيات التي تواجه تعليم الأطفال السوريين في مصر، ذلك أنّ الطفل السوري بعد أن يستقر في مصر يتم قيده بصفٍ دراسيٍ غير مناسب لتحصيله المدرسي، ويتم القيد بناءً على سنّه، فربما يكون في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي لكنه بشكل عملي مستواه وتحصيله متوقفٌ عند الصف الأول.
ويقول: "هذا ما نحاول التعامل معه بشكل جدي ومناسب، ولهذا نقوم من خلال مراكزنا السورية التعليمية في فترة الدراسة وفترة الإجازة الصيفية، بإعطاء دوراتٍ خاصةٍ لهؤلاء الأطفال، لاسيما في الإجازة الصيفية، كي يتواكبوا مع المرحلة الدراسية المقيدين بها في مدارسهم المصرية، ولإنقاذ مستقبلهم الدراسي".
وتعامل السلطات المصرية الطالب السوري معاملة المصري في العملية التعليمية. ويدرس الطالب السوري المنهاج المصري المقرّر من وزارة التربية والتعليم المصرية، ويُسدّد الرسوم المفروضة على المصريين تماماً.

أزمة
على رغم أنّ الإحصاءات الخاصة بالمتسربين من التعليم في سوريا تنقل أرقاماً صادمةً حول عدد الأطفال السوريين ممن هم خارج مقاعد الدراسة، وعلى رغم ما تشكله تلك الأرقام من فجيعة كبرى لدى السوريين المتخوفين على مستقبل جيلٍ كاملٍ مُهدّد بالتجهيل في ظل ظروف الحرب القاسية، إلا أنّ تلك الأرقام والتي تبدو "في أعلى مستوياتها" ربما لا تعكس الحقيقة كاملةً.
الأرقام والإحصاءات الخاصة بالأطفال خارج مقاعد الدراسة في سوريا والتي يُستند إليها في تحديد نسب الجهل والتعرف إلى تفاصيل أزمةٍ كبرىٍ تُهدد مستقبل سوريا، لا تشمل بطبيعة الحال من هم داخل إطار العملية التعليمية ويدرسون في صفوف متقدمةٍ بالابتدائي والإعدادي، لكنهم بالكاد يتعرفون إلى الحروف الأبجدية، ومستوى تحصيلهم المدرسي في أقل مستوياته، ولا يتناسب مع عمرهم.
أسبابٌ عديدةٌ دفعت إلى ذلك، من بينها أنّ كثيراً من الأطفال السوريين مرّوا برحلةٍ طويلةٍ من النزوح الداخلي واللجوء إلى دولةٍ ومنها إلى أخرى، حتى استقر بهم المطاف في البلد الذي يدرسون فيه،  وخلال تلك الرحلة الممتدة لسنواتٍ فقدوا فرصهم في التعليم، حتى ما إن استقروا في أي بلد, تم قيدهم وفقاً للسن في مدارس أو مراكز تعليمية بمراحل دراسية متقدمةٍ طبقاً لعمرهم المناسب، كما يحدث في مصر على سبيل المثال، ومن ثمّ صار الطفل يدرس على سبيل المثال في الصف الرابع الابتدائي لكن تحصيله العلمي متوقفٌ عند الأوّل، ويفتقد الأساسيات.

جهود تعويضية
وتقول نوران علي، وهي مُعلّمة بأحد المراكز السورية التعليمية بالقاهرة، إنّ "كثيراً من الأطفال من المسجلين بمدراس مصريةٍ، لديهم ضعفٌ شديدٌ في التحصيل.. أنا مُعلّمة لغة إنجليزية متطوعة، أحاول تعليم الأساسيات في المركز للأطفال، بداية من الحروف الإنجليزية وحتى الكلمات الأوليّة البسيطة، وأجد أن طفلاً مثلاً في الصف الرابع الابتدائي (10 أو 11 عاماً) لا يعرف تلك الأمور البسيطة التي يعرفها طفل آخر في نصف عمره." وتضيف "مهمتنا دائماً ما تكون شاقة في مثل تلك الحالات".
وتستطرد: "من بين الصعوبات أيضاً تفاوت المستويات بين الأطفال، فمنهم من يحتاج إلى الأساسيات بشكلٍ كاملٍ، ومنهم من هو متقدمٌ قليلاً وساعدته أسرته في تعلم بعض الأمور الرئيسية من حيث الحروف والكلمات على سبيل المثال لكنه لم يصل للمستوى المطلوب مقارنةً بمرحلته الدراسية بعد، وهذا يتطلب
تصنيفهم على حسب تحصيلهم العلمي".
الزائر لمراكز تعليمية سوريةٍ أو مدارس تضم سوريين، يجد أن ثمّة عدد ليس بالقليل من تلك النماذج ضعيفة المستوى، وللسبب نفسه.. وفي جولةٍ أجرتها "نورث برس" بأحد المراكز المتخصصة بتعليم أبناء السوريين بشكلٍ مجانيٍ، بمنطقة المعادي (جنوب القاهرة)، ومع ملاحظة تفاوت المستويات بين التلاميذ، لكن السمة الغالبة كانت ضعف التحصيل.

إحصاءات
إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تشير إلى أن ما يربو عن /2.8/ مليون طفل سوري حرموا من التعليم منذ بداية الحرب في سوريا في العام 2011  (40% من الأطفال المحرومين من التعليم، تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 17 عاماً)، وأنّ ثمّة /4.9/ مليون طفل سوري "يواصلون تعليمهم رغم الحرب". في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات ذاتها إلى أن نسبة تصل إلى 90% من الأطفال السوريين النازحين واللاجئين بدول الجوار تمكنوا من الالتحاق بمدارسٍ حكوميةٍ. ولم تتطرق أي من الإحصاءات عن مستوى الطلاب السوريين في التعليم الأساسي وتحصيلهم العلمي بعد كل ما لاقوه من عقباتٍ في طريق الاستقرار في الدراسة.

مواضيع ذات صلة:

تعليم بالتقسيط.. مراكز تعليمية سوريّة في مصر تتسابق لجذب الطلاب قبل بداية العام الدراسي

مراكز تعليمية خاصة بأبناء السوريين في مصر

مصر.. العام الدراسي الجديد وأكثر من /30/ ألف طالب سوري