دمشق.. الإعلان عن منشأتين سياحيتين في بلد شعبه جائع

دمشق ـ نورث برس

لم يكد يمر أسبوع على تدشين مشروع سياحي في اللاذقية، حتى أعلنت الحكومة السورية عن مشروع سياحي جديد، في دمشق هذه المرة، وفي المرتين كان رئيس مجلس الوزراء هو من يرعى الافتتاح، ما يشير إلى “أهمية” تلك المشاريع بالنسبة للحكومة.

وفي المقابل، لم تكد تهدأ حدة الانتقادات على تدشين مشروع المجمع السياحي في موقع جول جمال على شاطئ اللاذقية، حتى ثارت من جديد بالإعلان عن افتتاح فندق “غولدن مزة”.

في الحالتين كانت انتقادات السوريين تتركز على خيارات الحكومة في توجيه الاستثمارات، نحو السياحة في بلد تظهر إحصاءات أممية أن أغلب سكانه يعيشون تحت خط الفقر، ويقول برنامج الأغذية العالمي أن 12.4 مليون شخص في سوريا يعانون “انعداماً في الأمن الغذائي”.

مشاريع أخرى وانهيار لليرة

مشروع المجمع السياحي في اللاذقية، الذي وضع حجر أساسه رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، تنفذه شركة “سينارا انت” الروسية، وتبلغ قيمته العقدية 150 مليار ليرة سورية، ويمتد على مساحة 70 دونما.

وحسب عرنوس، فإن هناك “مجموعة من المشاريع السياحية يتم تنفيذها في الساحل”. وأضاف أن “قطاع السياحة سيشهد انتعاشاً” مع قرب انتهاء ما وصفها بـ”الحرب الظالمة على سوري”.

بينما قال وزير السياحة محمد رامي مرتيني، إن ذلك المشروع “ليس الوحيد الذي تقوم به شركات روسية صديقة”، وأضاف أن “هناك مشروع (أولمبيك تورز) الذي هو قيد الإنشاء”.

ووسط تراجع تاريخي في قيمة الليرة السورية التي خرقت أمس حاجز الخمسة آلاف أمام الدولار، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التآكل في أجور العاملين، كان عرنوس يفتح مشروعاً سياحياً آخر في العاصمة دمشق بكلفة تقديرية تعادل 36 مليار ليرة، وهو فندق “غولدن مزة” الذي تديره شركة “فلامنغو” العالمية، وبسوية 5 نجوم.

وخلال الافتتاح قال عرنوس، إن إنشاء فنادق كتلك في سوريا، وبعد 12 عاماً “من الحرب والحصار على سوريا دليل على أننا قادرون رغم الحصار أن نعمل ونصنع وبإمكانياتنا الذاتية”.

تعليقات مستنكرة

التعليقات على الخبر الذي نشرته صفحة رئاسة الوزراء السورية، تعبر عن كثير من حال البلاد، وأطرف تلك التعليقات: “عملتو متل الي ما بيلبس إلا ماركات وميت الجوع”، “بصراحة الشعب بسوريا ما بقى يقبل بـ5 نجوم …صار بدنا أكتر”، “يا ابني الوطن ليس فندق”، “طلع مو ناقصنا غير الفنادق”.

ومن التعليقات الساخرة أيضاً بحسب ما رصدت نورث برس: “ليش في كهربا…. أو الزوار بيجيبو معون ألواح شمسية؟”، “ايمت حابين تفتحوا شي مصنع”، “يؤمن ٢٠٠ فرصة عمل!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟ الحمد لله انحلت مشكلة البطالة بسوريا والعالم شبعت خبز واتأمن الغاز والمازوت وعاشوا بسبات ونبات”.

وكان آخرها: “أهم الشي الفنادق منشان المسؤولين يرتاحو منيح.. بس الكهربا والمازوت هدول بلاهن هالشعب بيتحمل”.

أكثر من كوميديا

أحد الباحثين الاقتصادين وصف لنورث برس، تلك المشاريع التي تقول الحكومة إنها ستزيد الدخل الوطني، وتؤمن فرص عمل، بأنها “أشبه بالكوميديا السوداء، بل إنها أكثر من ذلك”، حسب وصفه.

وأضاف: “البلاد بحاجة اليوم إلى مشاريع إنتاجية، بالدرجة الأولى، مشاريع تكتسب صفة الديمومة، وتساهم ليس فقط في تأمين فرص عمل، بل أيضا في الاستفادة من الإنتاج المحلي، وخاصة الزراعي، لتكوين مشاريع مولدة للدخل في أكثر من قطاع”.

وتساءل الباحث الاقتصادي عن جدوى المشاريع السياحية، وخاصة الفندقية، “في بلد ليس فقط أنه لم يعد جاذباً للسياح، بل هو أساساً طارد لأهله، ومواطنيه، إذ يتركز طموح كثير من السوريين في الهجرة”.

وبلغة الأرقام قال إن وسطي تكاليف المعيشة اليوم “تقدر بنحو مليون ونصف المليون ليرة، بينما وسطي الأجور لا يتجاوز مئة ألف ليرة، فكيف يمكن ردم تلك الفجوة الهائلة عبر مشروع سياحي، سيؤمن 200 فرصة عمل؟ وهل ستكون الأجور في تلك المنشآت أعلى مما تقدمه الحكومة ذاتها للعاملين في مؤسساتها؟”.

فقر وسياحة

إن سوريا تشهد تراجعاً مستمراً في مؤشرات التنمية، وتزايداً في مستويات التضخم، والفقر، وانعدام الأمن الغذائي، كما أنها تعاني من الفقر في البنية التحتية المؤهلة لأي مشروع تنموي حقيقي، وهذا ما يجب على الحكومة أن تؤمنه قبل أن تتحدث عن تشجيع الاستثمار.

ويشير الباحث في النهاية إلى الشركة المنفذة لمشروع المجمع السياحي في “جول جمال” في اللاذقية، وهي شركة روسية، ويقول إن الاستثمارات الروسية في سوريا لا تقتصر على الجانب السياحي فقط، بل هي تشمل كثيرا من القطاعات، ذات الطابع المدني والعسكري.

لكنه يشير إلى مسألة مهمة، وهي أن تلك المشاريع “ما زالت مرتبطة بالاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى، وبالوجود العسكري الروسي في سوريا”، وأقرب مثال على ذلك أن الاستثمار الروسي في قطاع الأسمدة، لم يؤد إلى توافر تلك المادة في السوق السورية، حيث ما زال المزارع السوري يعاني في الحصول عليها، وقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله