دمشق- نورث برس
“على ما يبدو أن الرب يحقق معجزات إلهية في بلاد الحرب”، بهذه الكلمات عبرت المحامية زينة علي، عن استغرابها عندما رأت ثلاثة سرافيس وقفت دفعة واحدة في الموقف الخاص للركاب في ساحة الهدى بدمشق.
المحامية التي تقطن في عشوائيات المزة 86، تحتاج كل يوم لقضاء ساعتين في انتظار سرافيس، أو تضطر أن تأخذ تاكسي خاص لتصل إلى مكان عملها.
ولكن لأول مرة منذ خمس سنوات صعدت إلى السرفيس وحصلت على “مقعد كريم” دون انتظار أو عملية تدافع بين الركاب ومشادات كلامية.
منتصف آب/ أغسطس الماضي تماماً، خرج مازن دباس، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق، على الهواء مباشرة في إحدى الإذاعات المحلية، وقال: “سيأتي يوم وينتظر صاحب السرفيس المواطن ليصعد”.
وذلك في إشارة منه لتوافر السرافيس خلال فترة قصيرة بأعداد كافية من خلال إجبار أصحابها على تركيب تقنية الـ”GPS”.
ذلك التصريح لاقى انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل سكان في المناطق الحكومية، كتشكيك في كلام “دباس”، الذي حدد موعد الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، البدء بتطبيق التقنية وإجبار أصحاب السرافيس في محافظة دمشق على تركيب الجهاز.
“350 ألف”

تقنية “GPS”، أعلنت عنها الحكومة لأول مرة في تموز/ يوليو عام 2019، وذلك عقب آلاف الشكاوى من السكان بعدم وصول بعض السرافيس إلى نهاية الخط أو رفض بعضها الآخر العمل على الخط المخصص.
وحينها أثار القرار الحكومي استياء أصحاب السرافيس الذين اعتبروا أن الحكومة تبحث عن مصدر تمويل جديد لها، وخاصة أن شراء الجهاز آنذاك كان يكلف ما بين 75 – 100 ألف ليرة سورية، فيما عللت الحكومة قرارها بأن المراقبة جاءت حتى “لا تسبب مشاكل للمواطنين”.
لم يطبق القرار، فعاد المكتب التنفيذي لقطاع النقل التابع للحكومة السورية، في شباط/ فبراير الماضي، للإعلان مرة أخرى عن تطبيق النظام.
وفي السادس من شباط/ فبراير الماضي، قال “دباس”، لإذاعة المدينة المحلية، إن تقنية الـ “GPS” ستُطبّق بدءاً من دمشق خلال ذات الشهر، وستُعمم على الباصات والسرافيس والبولمانات التي تزود بالمحروقات.
وأضاف، أنه ابتداءً من الشهر القادم (أي آذار/ مارس الماضي)، ستسحب الرخص وسيُمنع أصحاب السرافيس من التزوّد بالمادة في حال امتناعهم عن تركيب الجهاز.
لكن أيضاً لم يلتزم غالبية أصحاب السرافيس بتركيب الجهاز.
ومنذ أسبوع تماماً، بدأت محافظة دمشق بتطبيق هذه الآلية مع السرافيس الـ 14 راكباً، حيث ركَّبت غالبية السرافيس الجهاز وذلك مقابل 350 ألف ليرة يدفعها السائق لقطاع النقل في محافظة دمشق.
في حين أن السرافيس التي لم تركب الجهاز، لم تحصل على مخصصاتها من المازوت.
وتشهد المواصلات في محافظة دمشق انفراجاً، وخاصة في أوقات الصباح والمساء، بينما بقيت المواصلات من الريف إلى المدينة تشهد معاناة.
وتنتظر محافظة ريف دمشق أن تطبق ذات التقنية للسرافيس المتبعة في المحافظة.
“ضبط مخالفات”
وجهاز الـ GPS، يتمّ تركيبه على وسائل النقل الداخلي، يُراقب مسار الوسيلة من بدايته إلى نهايته، وعند وجود أي خلل، يتمّ إرسال إشعار إلى غرفة العمليات والمراقبة الموجودة لدى الجهات المعنيّة.
ويحدد الجهاز المسافة التي قطعها كل سرفيس على خطه، مقابل كميات محددة من المازوت تصرف للسائق يومياً ليتابع عمله.
ويقول مصدر في محافظة دمشق، فضل عدم نشر اسمه، لنورث برس، إن هذه التقنية مهمتها الأساسية ضبط عمليات بيع المازوت، وصممت إلكترونياً بطريقة لا يمكن أن يتم التلاعب بها.
ويشير إلى أنه خلال الأيام الأولى للتطبيق، مُنعت عشرات السرافيس من أخذ المازوت من الكازيات لأنهم لم يلتزموا بسير الخط.
وتسعى الحكومة من خلال عدم صرف الوقود المخصص لأصحاب السرافيس المخالفين، إلى إلزامهم اتباع مسار خطهم المحدد، “إذا حرمانهم من المازوت المدعوم سيضطرون لتعبئته حراً في حال المخالفة، وهو ما قد يعرضهم لخسائر مع بقاء تعرفة الركاب على حالها”، بحسب المصدر.
وكانت المحافظة، وفقاً لتأكيدات المصدر، على علم ببيع غالبية أصحاب السرافيس مخصصاتهم من المازوت وإيقاف مركباتهم عن العمل، “وهذا مخالف للقانون، إلى أن وجد المعنيون طريقة لضبطها فكانت تقنية GPS”.
سائقون متذمرون

ويعترف محمد أحمد (60 عاماً)، اسم مستعار لسائق سرفيس على خط مزة جبل كراجات منذ 20 عاماً، ببيعه المازوت بعد استلامه من الحكومة، ويبرر ذلك بأنه يجب أن يعمل ما يقارب 18 ساعة يومياً ليعيش كفاف اليوم.
ويضيف: “أجور النقل ضمن أطول خط في دمشق، من غرب العاصمة في منطقة المزة وتحديداً من ساحة الهدى، إلى كراجات القابون، حددتها المحافظة بـ200 ليرة سوريا فقط لا غير”.
ويرى السائق أن التعرفة حتى تكون “عادلة” له ولأقرانه، يجب أن تكون 500 ليرة سورية.
ولكن وضمن هذا السياق، يشير المصدر الخاص في محافظة دمشق إلى أنه حتى يتم اعتماد تعديل التعرفة الحالية، يجب على السائقين رفع مقترح لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
ويتفق مع السائق أن التعرفة الحالية “غير منصفة” ولكن، الـ 500 ليرة سورية، “غالية على المواطن الفقير”، على حد تعبيره.