جيش الجنوب السوري لمحاربة إيران بين التكهُّنات والواقع
درعا ـ نورث برس
كثُرت التكهُّنات، والحديث الإعلامي مؤخّراً عن تشكيل جيش موحّد في الجنوب السوري، قوامه 30 ألف مقاتل؛ من فصائل محلية من السويداء، ودرعا، والقنيطرة.
بعد صيف عام 2018، فُرض على الجنوب السوري، مشهد سياسي جديد، بدأ بالتمدّد الإيراني، وفلتان أمني، تمثّل بخطفٍ وسرقة وانتشار كبير للمخدّرات في السويداء.
وبالمقابل، عانت جارتها درعا أيضاً؛ ذات التوتّر الأمني، وسط مصالحات أُثبت من الزمن ضعفها، وبدأت كأنها على صفيح ساخن قابل للانفجار.
فبدأت تبرز بوادر فرض حلول خاصة للجنوب، مستقلّة عن دمشق؛ بسبب رفض أبنائه للهيمنة والثقافة الإيرانية، لكن هذه الحلول بقيت محل جدل إلى الآن، وكان آخرها تشكيل جيش موحّد؛ في الجنوب السوري.
حقيقة الجيش المُوحّد
كان للحرب الروسية ـ الأوكرانية، أواخر شباط/فبراير، من العام الجاري، مُفرزات انعكست على حدود الأردن، التي أعطت إيران وحلفائها فرصة الوجود والتمرّكُز هناك.
التواجد الإيراني، أدّى لتطوّرعمليات تهريب “الكبتاغون”، والأسلحة؛ وهذا ما دفع أبناء الجنوب لمحاولة مواجهة هذا التمدّد؛ عبر فصائل في كل من السويداء ودرعا.
وحول تشكيل جيش مُوحّد في الجنوب لمواجهة التمدُّد الإيراني، قال قائدٌ عسكري، من قوة مكافحة الإرهاب، وهو فصيل عسكري في السويداء، لنورث برس، إن فكرة تشكيل جيش مُوحّد لم تُطرح حتى الآن، ونفى أن تكون القوة التي ينتمي إليها أحد فصائله.
ولكن القائد العسكري، الذي رفض ذكر اسمه، أكّد على وجود تنسيق الآن بين فصائل السويداء، ودرعا، لمواجهة التمدُّد الإيراني في الجنوب، “ووحدة الصّف بين الجارتين هي أولوية”.
وكشف عن معلومات حصل عليها؛ تُفيد بـ”التخطيط لعمليات اغتيالات، بحقّ قادةِ فصائل في السويداء، التي تسعى للوقوف بوجه التمدُّد الإيراني”.
وأشار القائد العسكري، إلى أن الوقوف بوجه التمدُّد الإيراني “أصبح واجباً بعد أن أغرقت إيران الجنوب السوري بفوضى الفلتان الأمني والتدهّور الاقتصادي”.
والأهم مما سبق، بحسب قول المصدر، هو “مساعي إيران لتحويل الجنوب إلى بؤرة للمخدِّرات، تنشرها في المدراس؛ فسياستها مُمنهجة بتخريب عقول الشباب في السويداء ودرعا”.
وأكّد على أنهم يسعون بكل إمكاناتهم لمجابهة هذا التوغُّل الإيراني “للمحافظة على ثقافة وهوية الجنوب”.
وأضاف: “حاولوا استغلال فقر السكان، عبر تجنيد الشباب في مجموعات مسلّحة تابعة للأفرع الأمنية براتب مُغري، والسيطرة عليهم بإعطائهم الحبوب المخدِّرة بشكلٍ مجاني”.
وقال: “أدرك الشارع في الجنوب، وفي السويداء خصوصاً؛ الخطر الإيراني، وبدأوا بالوقوف في وجهه، عبر حِراك السادس والعشرين من تموز /يوليو، الفائت”.
وتمّ السيطرة على مقرّات المجموعات المسلّحة التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، “وهذا أكبر دليل على التغيّر في التعاطي مع التمدُّد الإيراني”.
وشدّد القائد العسكري، على ضرورة وجود إرادة دولية لمواجهة التمدُّد الإيراني بالجنوب، والتعامل “بحزم” من قِبل دول الجوار “في هذا الغزو الثقافي، وعدم السَّماح بإغراق المنطقة والدول المجاورة بالمخدّرات”.
مصير مشترك
يُعتبر الجنوب السوري، هدف إيران الأول منذ اندلاع الأحداث في سوريا، ربيع العام 2011، وتحاول منذ ذلك الوقت أن تُسيطر على المناطق الحدودية وخاصة الحدود السورية ـ الأردنية، والسورية ـ العراقية، وذلك لضمان تحرُّكات قواتها برّاً من إيران عبر الحدود الأردنية، التي تُعتبر خطّ الدفاع الأول عن الخليج العربي.
ورغم الحديث الإعلامي على طرح جيش موحّد للجنوب؛ يكون بمثابة المُخلِّص لأبنائه، ويقف بحزم بوجه المشروع الإيراني، إلا أن عبد الرزاق المحيا؛ مدير المكتب الإعلامي لـ”جيش مغاوير الثورة”، قال لنورث برس، إنه “لا صحة لما يتمّ تداوله عن تشكيل أي جسم عسكري في الجنوب السوري؛ يكون جيش مغاوير الثورة جزءاً منه”.
العميد منير الحريري، المُنشقّ عن القوات الحكومية، والمُقيم في الأردن، قال لنورث برس، إن مشروع جيش الجنوب السوري؛ هو “مشروع قديم”، طُرح سابقاً على شكل منطقة آمنة مسافتها 35 كم، على طول الحدود السورية باتجاه الداخل.
وأضاف، أن التسريب الذي تمّ قبل أيام، فهو يتكلم عن “مشروع كبير يضمّ الجنوب السوري بشكلٍ كامل”، حيث يمتد من القنيطرة غرباً إلى منطقة التّنف، مروراً بدرعا والسويداء.
وأكّد، أن هذا المشروع “لم يتمّ دراسته، ولا أحد يملك أي رؤية له، ولم يتمّ الحديث عنه لا على مستوى الأفراد ولا الدول”.
جسّ نبض
ولا يختلف المشهد بمحافظة درعا، من استمرار أبنائها في البحث عن حلول ترفض الواقع المفروض عبر الاستمرار بالاحتجاجات، والعمل على فرض ملفّ الجنوب السوري؛ بشكلٍ مُستقل.
فيما يرى قيادي في مجموعة مُسلّحة بريف درعا الغربي، رفض ذكر اسمه، أن ما تمّ تسريبه خلال الأيام الماضية؛ يُعتبر “جسّ نبض للشارع في تأييده لفكرة المشروع”.
وقال لنورث برس: “على أرض الواقع لا يوجد أي تحرُّكات جِدّية في هذا الخصوص، ولم يتلقّوا أي اتصال من أي جهة، سواءً المعارضة أو قوات التّحالف”.
وأكّد على استعدادهم للانخراط في أي تشكيل “يعمل على الوقوف في وجه المشروع الإيراني”، الذي بدأ بالتوسُّع في الجنوب السوري؛ على طول الحدود مع الأردن وإسرائيل.
ونفى اللواء المُنشقّ عن القوات الحكومية، محمد الحاج علي، في حديثٍ لنورث برس، وجود أي معلومات لديه عن هكذا تشكيل.
وبين النفي وعدم التصريح من قِبل الفصائل؛ بطرح تشكيل جيش موحّد، يبقى الترقُّب سيد الموقف وسط استقراءات سياسية، وتأكيدات شعبية بأن الأيام القادمة ستكون مختلفة بالنسبة للجنوب السوري.
الموقف الدولي
على الرغم من التعهُّدات الروسية للدول المعنية بالشأن السوري؛ وخاصة إسرائيل والأردن، إلا أنها فشلت في الوفاء بهذه التعهُّدات، التي تنصّ على إبعاد إيران والفصائل المساندة لها من الجنوب السوري، وخاصة على الحدود السورية الأردنية، والحدود السورية مع إسرائيل.
الجنرال أمير برعام، القائد السابق للجبهة الشمالية، في الجيش الإسرائيلي، قال بعد تسليم منصبه للجنرال أوري غودين، إن إسرائيل في حرب صامتة من أجل فرملة الأطماع الإيرانية في المنطقة.
وأضاف الجنرال الإسرائيلي، في لقائه مع القناة 13 الإسرائيلية، أن إسرائيل لن تسمح بتحويل الجنوب السوري إلى جنوب لبنان.
واعتبر “برعام”، سوريا؛ مساحة تُتيح للكثير من اللاعبين الدخول إليها، “سنواصل سياستنا، فعندما يجري الحديث عن قنبلة موقوتة تهدف إلى المسّ بنا، وإلحاق الضّرر، وقتل جنود، سنعمل على إزالتها قبل أن تُحدِث أي ضرر، ولن ننتظر”، في إشارة إلى الضربات التي تنفِّذها إسرائيل، ضد أهداف إيرانية في سوريا.
الأردن المتضرّر الأكبر من التواجد الإيراني على حدوده الشمالية، يقود حرباً ضدّ مُهرّبي المخدِّرات، والتنظيمات المدعومة من إيران، جاء ذلك على لسان العقيد مصطفى الحياري، مدير الإعلام العسكري الأردني.
وقال “الحياري”، في لقاء مع قناة المملكة الأردنية، أواخر أيار/ مايو، الماضي، إن أخطر التنظيمات الموجودة في الجنوب السوري على طول الحدود مع الأردن؛ هي “التنظيمات الإيرانية لأنها تأتمر بأوامر خارجية وتستهدف الأمن الوطني الأردني“.