إصدارات أدبية تتناول جغرافيّة سوريا، اقتتال أبنائها ومفهوم الجندية خلال سنوات الحرب

الجسد في رواية الحرب السورية

أصدر المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، كتاباً قيِّماً للناقد السوري الرَّاحل، حسَّان عباس، الذي اشتهر بمجموعة أعمال بحثيَّة حول الموسيقا الشعبيَّة السوريَّة، وأنتج عشرات الفيديوهات البحثيَّة؛ التي يسرد فيها؛ أهميَّة ذلك التراث اللامادّي، وضرورة الحفاظ عليه، لنراه في كتابه الصادر بعد رحيله يتّجه نحو دراسة مُعمَّقة حول الجسد في الرواية السوريَّة، أو بمعنى أدقَّ، الجسد داخل رواية الحرب السوريَّة، على اعتبار أن سوريا تعيش مرحلة غير طبيعيَّة من تاريخها، منذ العام 2011؛ وصولاً للآن، وقد اختلفت خلال تلك الأعوام المُنصرمة الكتابة السوريَّة، وبدأت تتّجه نحو مناحٍ كانت غريبةً فيما مضى من تاريخ الأدب السوريّ.

حيث تُركّز الدراسة؛ على معالجة الروايات السورية لكل صنوف موت الأجساد، والمعارك الطَّاحنة بين التيارات العسكرية السورية المختلفة، وضياع الإنسان، أو بالتحديد الجسد السوري في معمعة تلك المضاربات والنزاعات التي جعلت من سوريا، أكبر ساحة للحرب في العالم.

إلى العَلَم دُر، كتابُ يوميَّاتٍ سوداء

صدر حديثاً لـ(جوان تتر)، مجموعة نثريَّة بعنوان: “إلى العَلَمْ دُرْ”؛ لدى دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، وبمنحة من مؤسسة اتجاهات – ثقافة مستقلة ومعهد غوته؛ تتضمَّن المجموعة التي وُسِمَت بالـ (يوميَّات)؛ مجموعة متواترة من النصوص التوثيقيَّة المدوَّنة في فترة عصيبة من تاريخ سوريا الحديث، الممتدَّة بين الأعوام (2010 -2012)، حيث تغيَّر مفهوم الجنديَّة السوري، على إثر الفوضى التي حصلت في البلاد، بعد الحِراك الشعبي الذي اندلع خلال العام 2011.

تتأرجح الكتابة داخل اليوميَّات بين الشخصيّ والعام، وبين سيكولوجية الجندي السوري الذي يخدِم العلم مُجبراً وبدون أن يرغب في ذلك، فهي فترة تكاد تكون جحيماً بالنسبة إلى كل الشباب في سوريا، منذ عشرات السنين وحتَّى الآن.

جاء في تعريف الكتاب الذي دوَّنه الروائي السوري، سومر شحادة: “إنَّ الحياة كما يصوِّرها جوان تتر، في هذا الكتاب؛ هو تجريبٌ للأصوات الخفيضة التي تنتهي بالصمت النهائي، تجريبٌ لأصداء الخوف، أهوَ أعمق ممَّا تخيَّلنا؟، أيمكن النجاة من الخوف الذي صار جزءاً من الماءِ، ومن العطش، جزءاً من التخمة، ومن الجوع؟”.

من أجواء الكتاب/ اليوميَّات:

عُيونٌ متربِّصَة بالأجساد:

كانت أمّي دائماً تقول: “خُذ هذه الكعكة، لا نقود تكفي لشراء الموز، خُذ هذه النقود واشترِ بها ما تشاء”، أقبضُ على الورقة النقديَّة من فئة الخمس ليرات، وأحتضنها براحة يدي خوفاً من ضياعها، أو هروبها، كما يهرب كلُّ شيءٍ منّي الآن، أخافُ أن تُتلَف الورقةُ بين راحة يدي الناعمة، أمضي إلى عَدَمي وحيداً،

أكتبُ في هذه اللحظة، كمن يكتب رسالةَ تداعٍ إلى طبيبه النفسيّ، أخطّ ما يمكنُ لأي أحدٍ غيري أن يخطَّه، أحدهم عاشَ مثلي في هذا البلدِ اللاجئ، الأمر في غاية السهولة، لا شيء رائع في هذه الكتابة سوى أنّها تهديني الابتسامةَ المريرة، أحاول استجداء عواطف الأحرف، أن تساعدني قليلاً في الخروج من سجنها لتجلس على سريري، وتربُت على كتفي، أن تقضي على القلق الذي يكادُ يخنقني، سوى أنّي أُخفقُ المرّة تلوَ الأُخرى، وأعيد الترتيب، ترتيبَ الأسرّة التي مرّت أمام عيني، فأتذكّر الشراشف النظيفةَ والمتّسخة على النسق التذكريّ ذاته، جنباً إلى جنب، وتتعقّد ممرّات المدرسة التي رأيتُ لها شبيهاً في أفلامٍ وثائقيَّة تحدّثت عن سجون العائلةِ الحاكمة!، أقارِنُ بينَ الأحجار المُستخدَمة في البناء، الطلاءُ هو ذاتهُ في المبنيَين، والعيونُ المتربِّصةُ بالأجسادِ النحيلَة مجنزَرَة الأقدامْ، تمشي، أو تكادُ تمشي بالهدوءِ ذاته الذي يمشي بهِ الظلمُ في أروقة هذا البلدْ.

نساءُ السلّ، عمل روائي جديد لـ ريبر يوسف

لا يتوقف الكاتب الكردي السوري، المقيم في أوروبا، ريبر يوسف، عن الخوض في غمار التاريخ الكردي السوري، عبر كل أعماله التي أصدرها، وهي تقنية روائيَّة اتبعها “يوسف”، منذ بدايات أعماله الروائية والنثريَّة حتَّى، وكل ذلك من خلال لغة متناسقة ومنسجمة، لتُصدِر له مؤخَّراً؛ دار ممدوح عدوان للنشر؛ رواية جديدة بعد روايتين، أتت تحت عنوان “نساء السلّ”، وهو عنوان لافت ومثير للانتباه، ويُحفِّز القارئ على خوض غمار القراءة ومعرفة الفحوى.

جاء على الغلاف الخلفي للعمل: “قصص تبدأ وتتطوَّر، وتتعقَّد، قبل أن تُستأنف من جديد، بطلاتها: سيرانه، سلتي، سلمى، خنسي، عَيشانه؛ نساءٌ تقاطعت سبلُهنّ ومصائرهنّ في تلك المنطقة الساحرة من شمال شرق سوريا، التي عبثت سكة قطار (برلين – بغداد) بها وبمصائر سكَّانها”، ويتابع التقديم في موضع آخر من الغلاف: “في نساء السلّ، يُوغّل ريبر يوسف بلغته الشعريَّة، وحساسيّته الخاصَّة، في استكشاف المنطقة الشماليَّة الشرقيَّة من سوريا، بما فيها من تنوّع إثني، وديني، وعرقيّ، مُتّكئاً على بحثٍ تاريخيّ، وجغرافيّ، وأنثروبولوجي معمَّق؛ لما يعيشه الناس في تلك البقعة من الأرض”.

رواية نساء السلّ، تعتبر من الروايات التي تُشدّد على البحث أثناء الكتابة، وألَّا تكون الكتابة مقتصرة على حكاية مليئة بالعواطف والمشاعر، بل لا بدُّ لها وأن تّتكىء أيضاً على السرد البحثي وجلب المعلومة وإدخالها في سياقات العمل بشكلٍ منطقي وتسلسلٍ منظَّم.

إعداد وتحرير: قيس العبدالله