“لا قدرة لنا للاستئجار”.. منازل على العظم أصبحت مأوى لعائلات في القامشلي
القامشلي- نورث برس
أمام باب غرفة غير مكسية، بحي الكورنيش، في القامشلي، تجلس عليا مع أولادها، وينضم إليها الزوج بعد دقائق، يتبادلان الحديث عن حالهم الذي سيزداد سوءاً مع حلول الشتاء بعد أشهر.
ويظهر فوق رأس عليا أحمد، (40 عاماً)، نافذة سُدّت بأحجار من البلوك، فيما الأُخرى كانت بلا نافذة، وضعت تحتها مكيف صحراوي، وغالون كبير مخصّص للماء.
تقول السيدة الأربعينية، بلهجتها المحلية، “انجبرنا نعيش بمنزل على العضم, هذا أفضل من المبيت بالشارع، على القليلة إلنا سقف يحمينا أنا وولادي”.
وتشاهد في القامشلي، عائلات بينهم نازحين وآخرين ينحدرون من المدينة أو قراها، تعيش في منازل على العظم دون نوافذ ومرافق وأرضيات وأبواب، باستثناء الباب الرئيسي.
لا يتردد هؤلاء عن الإجابة حين سؤالهم عن السبب، فارتفاع إيجارات المنازل وضيق الحالة المادية يجبرهم على ذلك.
“وضعنا مأساوي”
وبالدخول إلى منزل “أحمد”، لا تجد سوى حصيرة قديمة ممدودة على الأرض؛ يجلس عليها أربعة أطفال صغار، وبطانية مُعلّقة على مسمار؛ يبدو أنهم يغطون بها النافذة ليلاً.

بينما يسهل على المرء ملاحظة أدوات المطبخ البسيطة، ومواد غذائية بجانبها، حاولت ربة المنزل قدر استطاعتها ترتيبها في ركن بالمنزل، وفي الغرفة المجاورة بضع بطانيات ووسائد وُضعت على أحجار البلوك.
تصف ربة الأسرة وضعهم بـ”المأساوي”، فبعد احتراق منزلهم، في قرية دبانة، شمالي القامشلي، والتهام النيران كل شيء، لم تجد خياراً سوى الانتقال إلى المدينة لإيجاد عمل قبل ستة أشهر.
وتشير السيدة، التي تعيش برفقة زوجها وسبعة من أولادها، إلى أنها اصطدمت بغلاء إيجارات المنازل، فما كان منهم سوى السكن في هذا المنزل، “فلا قدرة لنا لاستئجار منزل”.
ويفتقر منزل “أحمد”، إلى الأدوات الكهربائية المنزلية، فجميع أمور المنزل تنجزها يدوياً، كما أنها علقت ثيابها؛ لعدم وجود خزانة، على حبلٍ ثبتته على جدار بواسطة مسامير، وسط عجر الزوج؛ الذي يعمل حارساً لمبنى في المدينة؛ من تأمينها لها.
قرار لا يطبق
وتتراوح أسعار إيجارات المنازل، في أحياء القامشلي بين 50 و100 دولار أميركي، بينما قد تتجاوز وسط المدينة الـ 250 دولاراً، وفقاً لمستأجرين.
ويُرجع أصحاب مكاتب عقارية؛ سبب ارتفاع أسعار الإيجارات؛ إلى التضخُّم السكاني، مع ازدياد أعداد النازحين ضمن المدينة، ما زاد من الطلب على الاستئجار.
وفي شباط/ فبراير، العام الماضي، أصدر المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، في إقليم الجزيرة، قراراً لتحديد أسعار إيجارات المنازل، وتنظيم عملية التأجير والاستئجار.
ونصّ القرار حينها، على تحديد أربعة أصناف من الإيجارات تتراوح ما بين 10 آلاف و150 ألف ليرة سورية، بحسب مواصفات المنزل المستأجر.
وبحسب القرار، يتعرّض المخالف لغرامة قدرها ضعف قيمة الإيجار، ومضاعفتها مرة ثانية في حال تكرارها بالإضافة إلى فسخ العقد المخالف.
لكن عمار شيخموس، صاحب مكتب عقاري، يقول إن قيمة الإيجار المدوّنة ضمن العقد لا تكون حقيقية، إذ يتفق صاحب المنزل مع المستأجر على سعر أكبر من المحدّد ضمن العقد.
ولم يُنكر صاحب المكتب العقاري، تحكم أصحاب المنازل بالسعر، وعدم تقيُّدهم بالقرار؛ الذي أصدرته الإدارة الذاتية، ولكن “لا نملك حق التدخُّل وخاصة إذا اتفق الطرفان على السعر”.
ويلجأ المستأجرون لهذه الطريقة، وسط صعوبة الحصول على منزل للإيجار.
وبحسب شيخموس محمد، رئيس المكاتب العقارية بالقامشلي، فإن 70% من المستأجرين يلجؤون لهذه الطريقة، وهو ما يُصعّب معرفة قيمة الإيجار الحقيقية، “ولا نملك الصلاحية في هذا الحال لمحاسبة المخالف”.
“ليس لدينا خيار آخر”
ومنذ قرابة عام، انتقلت منى عبد الوهاب، (35عاماً)، للعيش في منزل على العظم، بحي حلكو، في القامشلي، بعد عجزها عن دفع إيجار المنزل الذي كانت تقيم فيه سابقاً.
كانت هذه السيدة تستأجر منزلاً قريباً من سكة القطار، بـ 35 ألف ليرة سورية شهرياً، ولكن قبل عام رفع صاحب المنزل الإيجار إلى100 ألف ليرة، “وهو مبلغ يفوق قدرتنا”.
ويبدو الوضع لدى هذه العائلة أسوء من سابقتها، فالمنزل الذي تسكنه يفتقر حتى لكهرباء المولّدات، وسط تقنين حاد في النظامية.
وقضت عائلة “عبد الوهاب”، الشتاء الماضي في هذا المنزل، الذي يفتقر هو الآخر للأبواب والنوافذ، واستعانت العائلة بأغطية لمنع تسرُّب الهواء البارد إلى الغرف، في محاولة غير مُجدية.
تقول “عبد الوهاب”، التي تتألف عائلتها من أربعة أفراد، “ليس لدينا خيار آخر”، فراتب زوجها الذي يعمل في محل لبيع التوابل، وولدها الذي يعمل في محل لبيع المواد الغذائية، “بالكاد يكفي مصروفنا، كل شيء غالي بهي المدينة”.