القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
"جئت إلى مصر برفقة زوجي وأطفالي قبل خمس سنوات، زوجي يعمل حلاقاً، افتتح محلّه بالقاهرة، واستطعنا من خلاله تسيير أمورنا المادية.. لكن بعد أن كبر الأولاد والتحقوا بالمدارس وجدت أن من واجبي مساعدة زوجي في مصروفات المنزل، كان يتعذر عليَّ الخروج للعمل بدوام كامل خارج المنزل، فبدأت التفكير في مشروعٍ يُدر عليَّ دخلاً مناسباً يساعد في مصروفات البيت"، تقول هنادي محمد (سوريّة من حلب، مقيمة بحي المعادي، جنوب القاهرة منذ خمس سنوات تقريباً).
قررت هنادي أن تبدأ في مساعدة زوجها من المنزل، فلجأت إلى شراء ملابس بسعر الجملة وتسويقها في محيط جيرانها ومعارفها من المصريين والسوريين على حدٍ سواء، حتى قامت بتلقي دورة تدريبية مجانيّة بأحد المراكز المختصة بدعم اللاجئين السوريين والتي تقدم مشروعات "التدريب من أجل التشغيل"، وتعلمت صناعة العطور، لتبدأ بعد ذلك في التوسع في ذلك النشاط من منزلها.
تقول هنادي لـ"نورث برس" إنها بعد أن تلقت التدريب بالمركز المذكور، شرعت في تنفيذ ما تعلمته بشكل عملي، وبدأت تُصنِّع العطور في منزلها بأوقات فراغها عندما تنتهي من واجباتها المنزليّة، وبدأت بنفس الطريقة التي كانت تسوق بها الملابس، تسويق العطور التي تصنعها بروائح مختلفة، وقد حققت خلال الشهور الماضية انتشاراً واسعاً في محيطها.
مطابخ
تسعى هنادي وغيرها من السيدات السوريات العاملات من منازلهن إلى إثبات أنفسهن في العمل ضمن المنزل، وبلوغ ما حققته سيدات أخريات من شهرة واسعة وصرن عملياً "سيدات أعمال من منازلهن" على غرار مشروعات الطبخ التي أخذت تتوسع بصورة كبيرة، من بينها على سبيل المثال "مطبخ زيت زيتون" الذي تأسس في العام 2016 وحقق انتشاراً واسعاً.
وطبقاً لمؤسسة "زيت زيتون لينا كساح"، فإن بداية المشروع الناجح كانت من خلال تجمع عددٍ من السوريات "من منازلهن" كن يجدن الطبخ، ومميزات في العديد من الوجبات، وكانت كل واحدة منهن تطبخ في منزلها، حتى جاءت فكرة تجميعهن تحت إطار مشروع واحد يحمل اسم "زيت زيتون"، وقد نجحت الفكرة وحققت رواجاً في محيط عملها، بخاصة في محافظتي القاهرة والجيزة، ويدرس القائمون عليها التوسع في نطاق مناطق أخرى.
وتشير كساح إلى أنهن حرصن على الحصول على تدريبات في الطبخ لصقل موهبتهن وتقديم أفضل خدمة. حتى صار مطبخ "زيت زيتون" اسماً معروفاً لدى الكثير من المصريين الذين يقبلون على المطبخ يومياً سواء بالطلبات اليومية المباشرة أو الحجوزات الخاصة بالعزومات والولائم.
تجربة "زيت زيتون" في الطبخ تتوازى معها تجارب أخرى ناجحة في قطاعات مختلفة أثبتت فيها السوريات قدرتهن على مجاراة الظروف والتغلب عليها، ليصرن سيدات أعمال من منازلهن، ينتجن ويسوقن ويبعن ويساعدن في مصروفات منازلهن في بلد الغربة واللجوء.
مشاريع خاصة
وتنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي صفحات ومجموعات لسوريات دشّن مشاريع خاصة بهن في منازلهن، يسوقن من خلالها أعمالهن ويتواصلن من خلالها مع زبائنهن في شتى محافظات مصر، كما تنتشر بالمجموعات الخاصة بالسوريين في مصر منشورات مختلفة تعرض فيها الكثيرات أعمالهن وتسوقها للسوريين بأسعار تنافسية.
وتسعى العديد من الجمعيات الأهلية السورية المُسجلة بالقاهرة إلى دعم ومساعدة السوريات لتأسيس مشروعاتهن الخاصة للمشاركة في تحمل أعباء الأسرة في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، من بينها "رابطة سوريا"، والتي تقول مديرتها لطيفة دغمان، إنها تقدم دورات تدريب من أجل التشغيل لعديد من السيدات اللاتي يتوافدن على مقر الرابطة، التي تسعى أيضاً إلى توفير فرص عمل لهن، سواء بدوام كامل من الخارج أو من خلال العمل بالمنزل.
وعددت نماذج لتلك الدورات التدريبية الداعمة للسيدات السوريات، من بينها الطبخ وتصفيف الشعر (كوافيرة) والكروشيه والحياكة والنسيج والعطور وغيرها من الدورات التي استفادت منها سوريات وبدأن بالفعل يخترقن سوق العمل بمنتجاتهن وأعمالهن.
تجارب مختلفة
تجارب السوريات المختلفة والمنوعة في العمل من المنزل في قطاعات مختلفة شجّعت مصريات على أن يحذون حذوهن، بل إن بعض المصريات شاركن سوريات في تلك الأعمال سواء في التصنيع أو الترويج والتسويق، وشكلن ثنائياً يتحدى الظروف على طريقتهن الخاصة "سيدات أعمال من منازلهن"، وهو ما تؤكده آية أحمد (29 عاماً من مدينة الشروق، شرق القاهرة) والتي تعمل في مجال تسويق الملابس التي يُنتجها مصنع سوري بالمدينة.
تقول آية في حديثها لـ"نورث برس": "في البداية تعرّفت على أخت سورية من خلال مجموعة خاصة بالسيدات على موقع التواصل فيس بوك، وكانت تعرض ملابس أطفال ونساء مناسبة وبأسعار جيدة، عرفت أنها تساعد زوجها وهو شريك بأحد مصانع الملابس الصغيرة، في عملية التسويق، فعرضت عليها المساعدة في التسويق في مكان آخر استغلالاً لعلاقاتي في المدينة التي أقطن بها، لاسيما أنها تعيش في مدينة أخرى وهي مدينة السادس من أكتوبر، واتفقنا على العمل سوياً، وصار لنا عامان حتى الآن نعمل سوياً".
أثبتت المرأة السوريّة، التي تشكل النسبة الأكبر من عدد اللاجئين السوريين في مصر، مدى قدرتها على مجابهة الظروف الخانقة، ومدى حرصها على تسيير أمور الأسرة، وتحدي الصعاب، باستغلال الإمكانات المحدودة المُتاحة، والتي لا تتجاوز في بعض الأحيان سوى "اتصال بالأنترنت" تقوم من خلاله بتسويق منتجات بعينها، وحتى مشروعات التصنيع الأكبر، ومن داخل منزلها.
ولا يوجد إحصاء دقيق بعدد السوريات المتواجدات في مصر أو حجم تأثير أنشطتهن في الاقتصاد المحلي. لكنّه طبقاً لما يؤكده رئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين في مصر، تيسير النجار، خلال حديثه مع "نورث برس" النسبة الأكبر من تعداد اللاجئين السوريين في مصر هم من السيدات والأطفال وأسر دون معيل.