لا عيدَ ما بعد 2019.. لسان حال نازحين من ديارهم شمالي الحسكة 

الحسكة- نورث برس

يعيش نازحون من ريف تل تمر وزركان شمالي الحسكة، في قرى ومناطق تكاد لا تبعد بضع كيلومترات عن ديارهم التي تخضع منذ قرابة ثلاثة سنوات لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، فيستقبلون العيد بحسرة الماضي وآلام الواقع الحالي وهم يفتقرون اليوم لطقوسها “الجميلة”.

فأعياد فطرٍ والأضحى تمر على النازحين من ديارهم بسبب الهجوم التركي على سري كانيه(رأس العين) وتل أبيض، وهم لا يشعرون إلا بالحنين على أعياد ما قبل 2019، وشقاء تأمين تكاليف معيشة اليوم.

ويستذكر معصوم معمي (65 عاماً) وهو من قرية القاسمية شمالي بلدة تل تمر وتخضع حالياً لسيطرة القوات التركية، حياته “الجميلة والهادئة “حين كانوا يجنون من أراضيهم أرزاق وخيرات حقول قمح والقطن.

يقول، “لم نكن نصدق أن سننزح (..) دائماً كنا نتضرع إلى الله بأن لا يأتي هذا اليوم”.

وحين شنت تركيا والفصائل الموالية لها هجومها على قريته في خريف 2019، كان “معمي” ومعظم سكان المنطقة وهم يمتهنون الزراعة، منشغلين في حقولهم تحضيراً للموسم الزراعي الجديد، إلا أن الهجوم قطعت الرحم بين الأرض البذور.

ويسرد “معمي” يوم ترك أرضه: “شاهدنا سيارات مزودة بأسلحة رشاشة للمرتزقة من بعيد، قامت بإطلاق النار فوق رؤوس المدنيين، بينما بدأ سكان القرى المجاورة بالنزوح من ديارهم واتجهوا صوب قريتنا وبعض القرى القريبة منا، ونحن بدورنا خرجنا”.

وكانت آخر مرة رأى فيها “معمي” قريته عبر المقاطع المصورة حين اقتحمت العناصر الموالية لتركيا المنازل ونهبوها، بينما لم يعد الرجل الستيني يعرف شيئاً عن  قريته منذ 29 تشرين الأول / أكتوبر 2019 ، يوم خروجه من القرية.

حسرة على الماضي

وعلى تلة قريبة وعلى بعد حوالي 4 كم من قريته، يوجه “معمي” مرمى عيناه إليها، فيتحسر على ماضيها وأعيادها التي كانت تشهد “الزيارات المتبادلة والفرحة العارمة” بين نحو 50 عائلة تقطن تلك القرية.

ويضيف، “حالياً بعد نزوحنا من قريتنا، طرأت التغيرات على تلك العادات في الأعياد، لأننا بعيدون عن بعضنا البعض، فكل واحد منا توجه إلى مكان، لقد تهجرنا من منازلنا ولم يعد العيد كما كان قبل ثلاثة سنوات.”

ورغم أن قسوة الحياة والنزوح طعنت به، لا يفقد “معمي” أمله بالعودة،  فيقول: “سنعود إلى قريتنا مجدداً بسواعد قواتنا التي تحمينا ولن نقطع الآمل أبداً، وسنعود إلى عملنا وستعود الحياة بنا كما السابق، سننسى أيام النزوح هذه، لتكون مجرد قصة نرويها لأحفادنا”.

أما على بعد كيلومترات أخرى تقع أراضي محمود حسين  في محيط ناحية زركان شمالي الحسكة، بينما هجرته هجمات الفصائل، وهو الآن يعيش نازحاً في الحسكة.

تبدلت الأحوال عما كانت عليه في عام 2019، فقد كان “حسين” يجني حصاده لموسم القطن مع مطلع خريف ذلك العام، ولم يعتقد أن القوات التركية وشركائها ستستولي على تلك الأراضي.

ويقول “حسين”، “هُجّرت مع عائلتي المكونة من 8 أفراد, تاركين خلفنا شقاء سنوات بذلناها لتأمين مستقبل أفضل لأولادنا”.

“نزوح ثم  نزوح”

ومع وصوله إلى مدينة الحسكة، بدأت رحلة “حسين” مع التهجير والنزوح. حيث يقول :”لم يلتفت إلينا أحد, وتجاهلتنا المنظمات الخيرية. وبتنا نفقد شيء فشيء أدنى مقومات الحياة، فما كان أمامنا سوى خيار العودة إلى زركان بعد أن شهدت هدوء نسبي.

“ولكن ما لبث وأن تجدد أمطار القذائف والقنابل،  فاضطرنا إلى النزوح مجددا لنلتجئ إلى قرية القيروان الواقعة غرب ناحية الدرباسية.” هكذا يسرد “حسين” رحلة نزوحه للمرة الثانية.

وينتقد “حسين” واقع المعيشة والاهتمام، فضلاً عن التمييز في إيلاء الاهتمام بالنازحين، فيقول، “حتى الخبز نحصل عليه بعد عراك فأين العدل من ذلك؟ لا سيما وأن العيد  قد حل ولم نشتري شيئاً”.

ويتساءل “حسين” وهو يستقبل أيام العيد ومتطلباتها: “كيف سنتدبر أمورنا مع تلك الهوة بين تكاليف معيشتنا وبين مردودنا الشهري- حيث أعمل سائقاً للسرفيس على خط قيروان_ الدرباسية؟”

وفي هذا العيد يفتقر “حسين” على غرار الكثير من العائلات النازحة لمقومات العيد وطقوسه، بسبب انشغال كل شخص بكيفية تأمين معيشته، على خلاف الماضي حيث يصف الأجواء بـ”المحبة والألفة بين الأهالي”، على حد تعبيره.

كل ذلك يدفع النازح للحنين إلى ماضيه ويتمنى أن يعود يوماً إلى دياره، و لازال يفتقر جواب لتساؤله: “هل سنعود؟”.

إعداد: دلسوز يوسف/ صلاح أوسكان- تحرير: هوزان زبير