لماذا هذا الإصرار الأميركي على عقد الاتفاق مع ايران؟..

عارض حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط،أي اسرائيل والسعودية،عملية اتجاه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو عقد الاتفاق النووي مع ايران في عام2015،وعندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق بعام2018كانت هناك حالة من الغبطة الاحتفالية في تل أبيب والرياض وأبوظبي،وعندما ظهرت بوادر على امكانية فوز المرشح عن الحزب الديمقراطي جو بايدن،الذي أعلن صراحة بحملته الانتخابية  نيته العودة للاتفاق في حال فوزه بالرئاسة في انتخابات الثلاثاء الأول من شهر تشرين الثاني2020،بدأ منذ شهر آب2020انطلاق قطار التطبيع مع اسرائيل ليشمل الإمارات والبحرين مع تشجيع خفي من الرياض ،من أجل تشكيل وضع سياسي- عسكري-أمني يكون بمثابة جدار يقي أويصد الرياح القادمة بمرحلة مابعد عودة بايدن للاتفاق.

هنا،وخلال عام ونصف مضت حتى الآن على دخول جو بايدن للبيت الأبيض ، من الواضح الاصرار المنهجي منه على العودة للاتفاق الذي أبرمه أوباما والذي كان بايدن نائباً له،وفي المفاوضات في فيينا التي بدأت  بنيسان2021من أجل إعادة احياء الاتفاق النووي تخلت الولايات المتحدة بالتدريج عن الثالوث الذي طرحته مع بدء تلك المفاوضات،أي اتفاق نووي مربوط مع اتفاق على الأسلحة الصاروخية الايرانية ومع اتفاق مشترك حيال السياسة الاقليمية الايرانية،وقد وضح هذا التخلي أكثر في مرحلة مابعد 24شباط2022مع بدء الحرب في أوكرانيا عندما بدأت إعادة النظر في واشنطن ولوأولياً في فكرة أن “الشرق الأوسط قد أصبح أقل أهمية “مع اكتشاف النفط الصخري ومع ركون الغرب الأميركي- الأوروبي لأن تكون موسكو المزود الرئيسي لأروروبا بالغاز والنفط ،وهو ماترافق بعام2011عند إدارة أوباما مع اكتمال الانسحاب العسكري الأميركي من العراق ومع اتجاه واشنطن منذ ذلك العام ،وبعد حلول الصين محل اليابان عام2010في المرتبة الاقتصادية الثانية عالمياً،نحو التركيز على الشرق الأقصى لمجابهة التحدي الصيني .

فمنذ24شباط 2022هناك تفكير أميركي- أوروبي جديد في الاتجاه نحو انهاء الاعتماد على الروس كمزود طاقة للقارة العجوز،ولايوجد بديل حقيقي لذلك سوى في منطقة الشرق الأوسط- شمال افريقيا،وايران هي الثانية عالمياً في احتياطات الغاز عالمياً والرابعة عالمياً على صعيد النفط.ويلاحظ بهذا الصدد كيف أن الجولة اليتيمة في مفاوضات فيينا بمرحلة مابعد الحرب في أوكرانيا ثم بتلك الجولة من المفاوضات في الدوحة التي أصبحت غير مباشرة بين واشنطن وطهران بوسيط قطري ،قد أصبح فيهما موقف ايران أكثر تصلباً فيما واشنطن لم تعد تطرح موضوعي الصواريخ والسياسة الايرانية في الاقليم.وفي الوقت نفسه هناك قلق اقليمي يتصاعد من اصرار بايدن على العودة للاتفاق ، على الأرجح أن التعبير الأقوى عنه كانت مواقف “الحياد”،أوالأقرب للحياد،التي أخذتها تل أبيب والرياض وأبوظبي من الحرب في أوكرانيا ورفض السعودية الطلبات الأميركية بزيادة انتاج النفط لتخفيض أسعار النفط التي أصبح ارتفاعها يلقي بثقل كبير على الأوضاع الاقتصادية- المعاشية في الغرب الأوروبي- الأميركي.

هذه اللوحة ،وهي سعي أوباما والآن بايدن لاتفاق مع خصم هو  في مجابهة عنيفة مع واشنطن منذ عام1979وعدم التفات الأميركان لاحتجاجات ورفض وتمردات الحلفاء حيال ذلك،يجب تحليلها ومحاولة فهم الدوافع التي تدفع صانع القرار الأميركي نحو هذا المسار من دون التفات جدي لمعالجة ذلك.أيضاً ولتكميل هذه اللوحة يجب وضع عملية التحالف الأميركي- الايراني في غزو واحتلال العراق عام2003وكيف أن سياسة واشنطن في العراق المحتل قد قادت إلى تسليم العراق للنفوذ الايراني عبر قوى عراقية محلية،ولايمكن هنا القبول وفق مسطرة الوقائع بالحديث عن أن الأميركي هو “محتل فاشل” لايعرف “ماهو اليوم التالي لعمليته العسكرية الاحتلالية”،كما يجب إضافة أن واشنطن منذ اتفاق الدوحة في لبنان الذي هو انقلاب على اتفاق الطائف بفعل عملية 7أيار2008التي قام بها حزب الله في بيروت قد قبلت بهيمنة حزب الله على المشهد السياسي اللبناني وقد كانت عملية وصول ميشال عون للرئاسة في لبنان في 31تشرين الأول2016احدى نتائج الاتفاق النووي الاقليمية الموقع في فيينا بيوم14تموز2015،كماأنه يجب ملاحظة الطريقة التدليلية التي يقوم بها المبعوثون الدوليون من الأمم المتحدة في اليمن للحوثيين وسط تألم السعوديين وحلفائهم المحليين،وهذا لايمكن أن يتم من دون رضا واشنطن.

يمكن هنا مقاربة أسباب ودوافع هذا الاتجاه الأميركي.

أولاً،يمكن أن يكون هذا ،كمايقول معارضي الاتفاق النووي في طهران الذين لم يلتفت لهم السيد علي خامنئي عام2015ولكن على مايبدو يعير لهم أذن صاغية الآن،ناتجاً عن اتجاه أميركي نحو احتواء ايران عبر الارضاء في الاقتصاد من خلال رفع العقوبات ومن خلال اغماض العين الأميركية عن التمدد الايراني في الاقليم،وذلك عبر مراهنة واشنطن على أن البحبوحة الاقتصادية الايرانية ستخلق ميولاً اجتماعية نحو النمط الغربي وللتخلي عن “الميول الثورية”،كماجرى بعد اتفاقات الوفاق الدولي بعام1972بين نيكسون وبريجنيف وفق رؤية هنري كيسنجر ،وكيف أن ذلك يمكن أن يترجم في طهران بعد الوفاة المتوقعة لخامنئي(مواليد1939)،الذي هو مثل بريجنيف كان قائداً لدولة قوية في السياسة الخارجية وضعيفة في الاقتصاد الداخلي،مثلما جرى في موسكو بعد وفاة بريجنيف عام1982عندما أتى ميخائيل غورباتشوف والبيريسترويكا عام1985التي كانت عنواناً لهزيمة السوفيات في الحرب الباردة عام1989ثم لتفكك الاتحاد السوفياتي عام1991.طبعاً،هذا الاتجاه الاحتوائي لايران من قبل الأميركان هو قراءة اميركية راهنة لموقع ايران الجغرا- سياسي في خريطة الشرق الأوسط تجاه جيرانها في الغرب العراقي- التركي وتجاه الشاطىء الآخر من الخليج وأيضاً منطقة القفقاس ووسط آسية حيث ايران هي المنافس مع تركية للنفوذ الروسي هناك،ويبقى شيء ثالث وهو أن ايران هي السد الجغرافي إن تم الاحتواء الأميركي لها (وهي الممر إن لم يحصل هذا )أمام التمدد الصيني نحو الشرق الأوسط والقارة الافريقية وهي المعبر الثاني مع روسيا للصين إلى أوروبا عبر تركية وفق الخط الأوراسي الذي هو واضح القوة في بكين وموسكو، والأميركان يدركون أن تحالفاً صينياً- روسياً يمكن أن تضعفه ايران موالية لواشنطن وستقويه كثيراً وستجعله فعالاً وخطيراً ايران معادية.

ثانياً،النفط والغاز الايرانيين كبديل للنفط والغاز الروسيين إلى أوروبا من خلال أنابيب عبر العراق وسوريا ومن ثم لأوروبا من الساحل السوري .وربما كان هذا أحد الدوافع الرئيسية التي شجعت موسكو على الاتيان العسكري الروسي إلى سوريا بعد شهرين ونصف من الاتفاق النووي الايراني عام2015من أجل منع هذا السيناريو إضافة لسيناريو خط الغاز القطري عبر سوريا وتركية إلى أوروبة والذي طرح في عام2009.

ثالثاً،هناك سبب ثالث يطرحه كثيرون كسبب لخطب الود الأميركي لايران،أولتدليلها وغض النظر عند واشنطن عن تمدد طهران الاقليمي والسكوت الأميركي عن نفوذ حلفائها هنا أوهناك أوعن مافعلته في هذا البلد أوذاك من تدخلات عسكرية مباشرة أوغير مباشرة،وهو أن التمدد الايراني بالمنطقة قد أشعل النار السنية- الشيعية ،وهذا يناسب واشنطن حيث الاستثمار في اللااستقرار الاقليمي هو أربح لها من الحالة المعاكسة.

كتكثيف:ستكون قمة الرياض في 15تموز2022بين دول الخليج الستة وبايدن ،مع حضور مصر والعراق والأردن،مهجوسة بهذا الموضوع.وسيكون الرئيس الأميركي في تلك القمة بوضعية الزوج المتعدد الزوجات الذي تلومه زوجاته على نيته  المعلنة بالزواج من زوجة جديدة يكرهونها بشدة بحكم معرفة قديمة.