من مفرزات الحرب.. أطباء في حلب يسعون للهجرة وآخرون يرفضون العودة للبلاد
حلب- نورث برس
يعمل محمد أبو القاسم (30 عاماً) وهو طبيب من سكان حي الصاخور بحلب، سائقاً على سيارة أجرة في فترات الفراغ لزيادة دخله المادي، كون راتبه الذي يتقاضاه من المشفى “لا يكفيه”.
ولا يتجاوز راتب “أبو القاسم” وهو طبيب اختصاص أطفال يعمل ضمن مشفى الجامعة الحكومي بدوام ثماني ساعات يومياً ويناوب 12 ليلة شهرياً، المئة وخمسون ألف ليرة سورية في الشهر.
هذا الحال، يدفع الطبيب للتفكير بالرحيل والهجرة خارج البلاد لتأمين مستقبل أفضل، إذ يرى أن تأمين فرصة عمل خارج البلاد هي الحل الوحيد أمامه وأمام من هم في وضعه لتحسين ظروفهم المعيشية.
وينتظر “أبو القاسم” نهاية العام الجاري، حيث سينهي تدريبه ضمن المشفى ليسعى بعدها للسفر، “فالحكومة لا تراعي طاقات الشباب ولا تقدم لهم العون للبقاء”.
ويسعى أطباء خريجون من جامعة حلب، للسفر خارج البلاد، في ظل عجز الحكومة عن إيجاد حلول ناجعة للأزمات المتفاقمة.
ويشرح طبيب الأطفال حاله، فهو قد بلغ سن الثلاثين وقضى ما يقارب العشرين عاماً في الدراسة حتى يقدم إنجازات في اختصاصه، ولا يعقل بعد كل ذلك أن يجلس خلف مقود سيارة لتوصيل الطلبات والسعي لتأمين ليترات من البنزين حتى يعمل بعض الساعات.
“الحكومة عاجزة”
ويرى “أبو القاسم” أن هجرة الطاقات والكفاءات خارج البلاد أمر طبيعي، في الوقت الذي “تعجز” فيه الحكومة عن تأمين متطلبات الحياة والعمل للشباب، في إشارة منه إلى أزمات الكهرباء والمياه والمواصلات وغلاء المعيشة وكثرة البطالة.
وتعجز الهيئات والجهات الحكومية والقطاع الخاص عن توفير فرص عمل لقسم كبير من الشباب بمن فيهم خريجي الجامعات.
ويختلف المشهد عند منذر صباغ (29 عاماً) وهو من سكان حي الحمدانية بحلب، فقد سافر قبل شهرين إلى ألمانيا ويعمل حالياً ضمن مستشفى خاص بدوام جزئي وبراتب شهري “يعادل العمل ضمن المشافي الحكومية لمدة سنتين”.
وكان “صباغ” قد تخرج من كلية الطب، اختصاص جراحة عامة في جامعة حلب، قبل أربع سنوات، وانتقل للعمل ضمن مشفى الجامعي الحكومي.
وكان يعمل الشاب في المشفى من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، بالإضافة إلى 15 مناوبة ليلاً ضمن الشهر براتب لا يصل لمئة ألف ليرة شهرياً، وفقاً لما يذكره لنورث برس.
قلة الراتب الحكومي، دفع بـ”صباغ” للعمل ضمن محل تجاري لبيع العطورات في أوقات الفراغ لتحسين الدخل المادي في ظل الظروف الصعبة لعائلته المكونة من ست أفراد ويعمل الأب والأم في مؤسسات حكومية بدخل لا يتجاوز المئتي ألف ليرة سورية لكل منهما.
“لا عودة”
وتمنع وزارة التعليم العالي ونقابة الأطباء السورية، الخرجين من العمل الخاص في المهنة حتى ضمن عيادات أطباء حتى إنهاء فترة العمل ضمن المشافي الحكومية وهي حسب نوع التخصص.
هذا الحال دفع بـ”صباغ” للهجرة، حيث تقدم إلى السفارة الألمانية بطلب عمل كطبيب مختص في الجراحة العامة، ليتم الموافقة على طلبه، “وقدمت لي الحكومة الألمانية كل التسهيلات من منزل للإقامة مدفوع التكاليف وغيرها”.
ويرفض بهاء خبازة (45 عاماً) وهو طبيب مختص في الجراحة النسائية والتوليد متخرج من جامعة حلب عام 2000، العودة من مدينة دبي إلى حلب.
ويصف الطبيب وهو من سكان حي المرديان بحلب خروجه من سوريا “كأنه طلقة رحمة في جسد مصاب”.
ويسرد “خبازة” سبب خروجه من البلاد قبل بدء الحرب السورية، فقد تعرض للاعتقال لعدة أيام على يد فرع المخابرات الجوية في حلب عام 2016، “لعدم قدرتي على إنقاذ حياة أحد العناصر المصابين بطلق ناري في الصدر”.
ويشير إلى أن مجموعة من العناصر المدججين بالسلاح دخلوا عليه في عيادته يحملون عنصراً مصاباً وطلبوا منه إجراء الإسعافات واستخراج الطلقة من صدر المصاب.
لكن الطبيب من خلال التشخيص السريع طالبهم بنقله إلى غرفة العمليات في أي مشفى لكنه فارق الحياة قبل نقله فقد كان لديه نزيف شديد.
حينها “اشتد غضب قائد المجموعة واعتقلوني لديهم لستة أيام دون توجيه أي تهمة ومنعوني من استخدام الهاتف أو إخبار عائلتي”.
ولكنه وبعد إطلاق سراحه قرر الخروج من البلد دون عودة.