مزار الجيلاني من صرح ديني سياحي إلى ركام خلال سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”
الحسكة – حسن عبدالله – NPA
تعرض مزار الشيخ عبد العزيز الجيلاني في شمال شرقي سوريا للاستهداف والتخريب أثناء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على تلك المنطقة.
يقع مزار الشيخ عبد العزيز الجيلاني على بعد /35/ كم جنوبي بلدة تل تمر شمال شرقي سوريا، على الجانب الشمالي للجبل الذي سُمي باسمه، في موقع حصين، تحيط به مجموعة من الأودية والجبال والينابيع، ويفصله عن أعلى قمة في الجبل وادٍ عميق.
ويُعتبر المزار من أهم المعالم الدينية الأثرية والسياحية في المنطقة، وكان يستقطب آلاف الزوار والسيّاح من داخل البلاد وخارجها.
وكان المزار قبل استهدافه من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يضم مسجد التوحيد الذي يُعد من أقدم المساجد في الحسكة، إلى جانب مرقد الشيخ عبد العزيز الجيلاني، أحد مشايخ الطريقة القادرية ،وقبور أخرى يعتقد أنها تعود أيضا لأبناء الشيخ عبد العزيز.
وخلال فترة سيطرة التنظيم على تلك المنطقة، قام عناصره بحفر القبور الموجودة في المرقد وهدم الجامع.
وفي حديث مع "نورث برس" يقول الشيخ حسن الحسينو -ابن القائم السابق على المزار- عن نسب الشيخ عبد العزيز وتاريخ المزار إن "الشيخ عبد العزيز عبد القادر الجيلاني ينتهي نسبه بالجد الحادي عشر للإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ومن أمه أم الخير إلى الحسين بن علي بن ابي طالب، عاش في الجبل ودفن فيه خلال الفترة من عام/602-532/هـ،/1205-1137/م.
وقد بنى فيه مسجداً وتكية لأتباعه حتى مماته، حيث تُرك المكان وتحول إلى أنقاض حتى عام/1308/هـ-/1890/م، حين وصل مهاجرون شيشان من داغستان إلى الجبل بعد تعرضهم للاضطهاد على يد الروس، وقاموا بإعادة بناء المسجد بزاويته الجنوبية، واستخدموا في ذلك الأحجار الكلسية والزخرفة الإسلامية والهندسة المعمارية العثمانية، وقد انتهوا من ترميمه/1313/هـ-/1895/م.
وبعد رحيل الشيشان تُرك المزار مرة أخرى، حتى قامت عائلة الشويش (إحدى عوائل المنطقة) بتكليف أحد الأشخاص برعاية المكان، ثم قامت مديرية أوقاف الحسكة فيما بعد بمتابعة تجهيز وتخديم المزار، الذي ظل قائما حتى عام 2014، حين سيطر التنظيم على المكان.
وبعد سيطرة التنظيم قام عناصره بحفر القبر وترحيل الرفات إلى منطقة مجهولة بجبل مغلوجة، وبعد ثلاثة أشهر من حفر القبر قاموا بهدم المسجد استنادا إلى العقيدة السلفية الجهادية التي تحارب القبور والأضرحة والتصوف، بحجة أن هذه الأماكن توفر "المُناخ للشرك والكفر والبدعة"، حسب قول الشيخ الحسينو.
ويضيف الشيخ "حاولت جاهداً أن يتركوا المسجد بعد أن أزالوا المرقد، لكنهم رفضوا، وقالوا سيتحول المسجد مرة أخرى إلى مزار ويُمارس فيه البدع والخرافة".
فائدته وآثار تدميره
ويحكي ياسين محمد، أحد سكان المنطقة ذكرياته وأثر وجود المزار في حياته قائلا "كنا صغارا نأتي إلى المزار الذي كان يقصده آلاف الزوار يومياً، خاصة في فترة الربيع، بعضهم كان يأتي من مناطق أخرى ومن دول أجنبية وعربية، كانوا يصلّون في المسجد وينذرون النذر ويقدمون الأضاحي".
"لهذا المكان ميزة خاصة واحترام خاص لدى أهل المنطقة واستهدافه هو استهداف لذكرياتنا وهدم لأرواحنا، لقد أثر فينا كثيراً كما أثر بكل أهل المنطقة، فقد كانوا يعرفون مدى تعلق سكان المنطقة بهذا المكان لذلك دمروه وحولوه إلى ركام"، يضيف ياسين.
بدوره يروي محمد الصالح، من سكان قرية الغرة، كيف قام عناصر التنظيم بجلب عشرات الآليات العسكرية والجنود "طوقوا المكان قبل أن يباشروا بتدمير المرقد، وبعد أن أخرجوا العظام من القبور وضعوها في أكياس، وجمعوا الناس وقالوا لهم هذه هي العظام التي كنتم تتبركون بها".
من جهتها تتحسر وضحه البرو، امرأة ستينية من سكان قرية الغرا على المزار قائلة "لقد كان الخير كثيراً حين كان المزار قائماً، كان الزوار يأتون من كل مكان ويجلبون معهم العطايا والهدايا لسكان القرية، كانت القرية تمتلئ بهم، أما الآن فلم يعد يأتي إلا قليل من الناس إلى هنا."
دوافع التنظيم
"نشر الدين الصحيح" كانت حجة التنظيم لتبرير عمليات استهداف وتدمير الأضرحة، فقد اعتبر الطرق الصوفية من ألد أعدائه، وعدّ أتباع هذه الطرق كفاراً يجب إقامة الحدّ عليهم، وهددوا أصحاب تلك الطرق في كثير من المناسبات من خلال وسائل إعلامه، كما عدّ زيارة الأضرحة والمزارات الدينية "شركا بالله ويجب إزالتها؛ لأنها مصادر ذلك الشرك" بحسب معتقداته.
لكن علماء دين ومطلعين على أمور الشريعة يرون أن التنظيم كان يهدف لغايات أخرى من وراء هذا الاستهداف.
فقد علق الشيخ علاء أبو العزائم رئيس الاتحاد العالمي للصوفيين، على تفجير مساجد الطرق الصوفية، بأن التنظيم يحاول القضاء على التصوف الذي ينشر الأخلاق، ويساعد على نشر الوسطية في المجتمع لمواجهته أفكاره المنحرفة.
كما يرى آخرون أن دوافع استهداف التنظيم للمزارات والطرق الصوفية هي دوافع سياسية أكثر منه دينيه، فهو يهدف لمحاربة أي خصوم محتملين لحكمه، إذ اعتبر كل مختلف عنه "كافراً يجب قتله وإزالة خطره".
إعادة ترميم
قامت دائرة الأوقاف التابعة للإدارة الذاتية بداية هذا العام بمساعدة بلدية الغرا في إعادة ترميم قسم من المرقد وبناء غرفة صغيرة مكان المرقد القديم، حسبما أوضح صلاح منديل، الرئيس المشارك لبلدية الغرا.
في خطوة يرى السكان أنها غير كافية، حيث أن المكان بحاجة إلى الكثير من العمل والجهد لإعادته إلى سابق عهده.
وفي هذا الإطار يقول ياسين الحسينو إن المكان لايزال بحاجة إلى المزيد من التخديم والإعمار ليعود كما كان سابقاً صرحاً ومعلماً دينياً سياحياً، "يجب أن يكون في وضع أحسن من هذا".
وتشتكي إدارتي مجلس وبلدية الغرا من قلة الإمكانات والدعم الذي يمكّنهم من إعادة إعمار المزار بشكل كامل، وزيادة الاهتمام بالمكان، الذي يمتلك إلى جانب المزار مواقع أثرية، ومناظر طبيعية من ينابيع وجبال وأودية تجعله وجهة سياحية مهمة في المنطقة.