في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.. معتقل سوري يروي تفاصيل تعذيبه في سوريا

إدلب – محمد الينايري- NPA 

“هناك عدة أنواع للتعذيب داخل الأفرع  الأمنية، لكن الأشد هو التعذيب النفسي واللفظي والجسدي”، يقول معتقل سوري سابق قصة اعتقاله وتعرّضه للتعذيب داخل أحد السجون السورية.
يستذكر أكرم أبو الفوز، لدى حديثه عبر الهاتف من إدلب مع مراسل “نورث برس”، شهور صعاب قضاها في أقبية الأفرع الأمنيّة، كان خلالها شاهداً على أقسى أنواع التعذيب والإيذاء النفسي والبدني، الذي لا يزال يعاني من آثاره وتبعاته حتى اللحظة.
اعتقلت السلطات السورية أبو الفوز ببداية الشهر الثاني من عام 2012 وذلك بعد عثورهم على فيديو في هاتفه الشخصي لأحد أصدقائه الذي فقد حياته في مدينة دوما بسبب المعارك بين المعارضة السورية والقوات الحكومية. قائلا: “كنت يومها ماراً على أحد الحواجز على أطراف المدينة خارجاً منها وكان هذا الحاجز يتبع لأفرع أمن الدولة”.
ويسرد أبو الفوز بعضاً من مشاهد التعذيب التي كان شاهداً عليها بقوله: “كانوا يضعوننا في غرفة صغيرة تسمى المنفردة، عرضها /80/ سم وطولها /160/ أو /170/ سم تقريباً، يزج بـ/10/ أشخاص بها أحياناً. وخلال هذه المدة كنا نتعرض للتحقيق وأشد أنواع العذاب حتى كنا نتمنى أن يتم قتلنا بالرصاص لينتهي الأمر بسرعة “.
التعذيب

ويصف أبو الفوز لـ “نورث برس” أنواع التعذيب التي كان يتعرض لها قائلاً: “أنواع التعذيب التي تعرضت لها هي الماء البارد المتجمد في الشتاء ، كانوا يأخذوني إلى التحقيق وينهالوا عليّ بالضرب المبرح بكبل يسمى (الكبل الرباعي)، وهو عبارة عن كبل كهرباء معدني، أو بكبل يسمى (قشاط دبابة) وهو عبارة عن نوع من كبل مطاطي عرضه /7/سم وسماكته /2/ سم وبعد الضرب يتم أخذي إلى الحمامات لينهالوا عليَّ بالماء البارد، وأيضاً بالضرب من خلال بوري بلاستيكي أخضر يستعمل في تمديد المياه داخل الشقق، وكان معروفاً باسم (الأخضر الإبراهيمي!) نسبةً للونه، وكانوا ثلاثة من السجانين يضربونني به إلى أن أفقد الوعي”.
ويتابع أبو الفوز في شهادته قائلاً: “أثناء التحقيق يتم وضعي في دهاليز الفرع بين المهاجع بين فترات التحقيق واستراحة المحقق كنوع من التعذيب النفسي والجسدي، كنت أجلس بوضعية الجاثي على ركبتيّ وأرفع يداي للأعلى على الحائط ويمنع تنزيلهم أو الجلوس إلا بفترة الطعام التي كانت مرتين في اليوم، وقد بقيت على هذه الوضعية مدة 48 ساعة في حين بعض المعتقلين بقوا مدة 24 يوماً بهذه الوضعية وكانت تسبب وضعية الجاثي في التهابات بركب الرجلين وخروج القيح منهم والدماء”. 
ويواصل المعتقل السوري السابق روايته عن التعذيب الذي وجده، قائلاً: “كان أحد المحققين يشتهر بطريقة تعذيب خاصة به وهي الدعس بكعب حذائه (النعل) على فقرة من فقرات جسم المعتقل من رأسه حتى أسفل قدميه وفركهم أثناء الدعس”. 
يضيف “كان المحقق في الغرفة يرميني أرضاً على وجهي ويربط يديّ ورجليّ معاً من الخلف ويتم تعليقي برافعة يدوية تم نصبها في منتصف غرفة التحقيق، ويتم رفعي عالياً مع الضرب للاعتراف بأمور لم أعرفها ولم أفعلها”.
ظروف غير إنسانية
يقول أبو الفوز “بأحد أفرع أمن الدولة في منطقة كفر سوسة بدمشق تم وضعي أنا وخمسة أشخاص في منفردة صغيرة واقفين، وكان يحزمون يدينا إلى الخلف بحزامات بلاستيكية تقطع الدماء عن يدينا إضافة الى تطميش الأعين بوضع حزامة من القماش على أعيننا، ويمنع علينا الجلوس أو النوم او الاستراحة مهما وصلت حالتنا”.
ويقول إن “فترة الطعام كانت /15/ دقيقة لمرتين في اليوم، وكانت وجبة الطعام في هذه المرحلة عبارة عن ملعقة من اللبن وخمس حبات زيتون لكل اثنين من المعتقلين مع نصف رغيف خبز، كان هناك وقت صغير لخروجنا إلى دورات المياة، ويقدر هذا الوقت بـ /30/ ثانية من أثناء خروجنا من المنفردة إلى الحمامات التي تبعد عنها حوالي عشرة أمتار، يتربص بنا خلالها أربعة سجانين ويتم ضربنا بالأكبال حين الخروج وحين الدخول، وكانت الـ /30/ ثانية مدة الدخول للحمامات والخروج لخمسة أشخاص، وفي حال عدم الانتهاء من قضاء الحاجة كانوا يرشون علينا الماء البارد أو يتم رفس باب بيت الخلاء علينا وإخراجنا بالقوة مع الضرب”.
“كان الكلام ممنوعاً داخل المهاجع وأي همس أو صوت يسمعه السجان كانت عقوبته أن يشلح عارياً جميع المعتقلين ونتوجه للحائط ونقف لفترات، في أحد المرات تم إخراجي أنا وبعض المعتقلين إلى ساحة ضمن فرع التحقيق لأمن الدولة بمنطقة كفر سوسة بدمشق وتسمى ساحة الإعدام، وتم ضربنا وتعذيبنا من الساعة التاسعة ليلاً إلى الساعة الثانية عشر  صباحاً مع تعذيب نفسي وجسدي شديد وبحجة أنه سيتم إعدامنا، وكل فترة التعذيب هذه وأيدينا محزمة وعيوننا أيضاً”.
وبخلاف “تفاصيل يومية صغيرة يصعب شرحها ويطول”، يشير أبوز الفوز إلى أنه لا يزال يعاني من آثار تعذيب حتى الآن، ويقول: “حالياً هناك ندبةٌ صغيرة بقيت على معصمي من آثار الحزامات البلاستيكية التي كانوا يضعوها لنا وخلال فترة الاعتقال تم التهابها وتقيحها وبقيت بدون دواء حتى شفيت، وأيضاً بسبب العقوبات والوقوف أصبت بمرض الديسك بأسفل الظهر، وهناك إخضرار بقدمي اليسرى من الفخذ للركبة، وحتى اللحظة هذه لا أشعر بقدمي وكأنها مخدرة”.
الإفراج

أفرجت السلطات السورية عن أكرم أبو الفوز بعد مكوثه في السجن مدة /5/ أشهر، حيث حكمت المحكمة بالإفراج عنه لأنه كشف أمامهم أثار التعذيب الذي تعرض له قائلا: “الاعترافات التي قدمتها كانت كفيلة بإعدامي ولكن تم تحويلي للقضاء العسكري، وعرضت أثار التعذيب أمام القاضي وحينها أقر القاضي بتوجيه تهمة (تحقير رئيس الدولة) وعقوبتها /3/ أشهر وفق القانون السوري”.
ويختتم شهادته التي خص بها “نورث برس” في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب بقوله: “بخصوص المعتقلين الذين كانوا معي، فمنهم من تعرض لنفس التعذيب، ومنهم أقل ومنهم أكثر والكثير منهم تم إعدامهم ووصلت ورقة وفاتهم لذويهم هذا العام”.
ويشهد الـ 26 من حزيران/ يونيو من كل عام اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب للتشهير ضد جرائم التعذيب وتقديم الدعم والتكريم للضحايا والناجيين في انحاء العالم.