في الذكرى الرابعة لـ (ليلة الغدر) بكوباني.. تحويل منزل ضحاياها لمكتبة عامة
كوباني/عين العرب- فتاح عيسى – جهاد نبو – NPA
في الخامس والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 2015 استيقظ أهالي مدينة كوباني/عين العرب، شمال شرقي سوريا، على أصوات الرصاص، لم يكن الأهالي يعلمون ما حدث، فخلال ساعات قُتل نحو /400/ مدني آمن من أطفال ونساء ورجال داخل منازلهم، على يد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذين كانوا قد تسللوا بزي وحدات حماية الشعب إلى داخل المدينة، وأطلقوا الرصاص على كل شخص رأوه.
لم يكن يعلم عدنان حسن أنه سيفقد ستة أشخاص من عائلته ( أمه وأخته وأخوين وزوجتيهما) وخمسة أفراد آخرين من عائلة عمه، في ليلة واحدة، تلك الليلة التي سُميت من قبل أهالي كوباني بـ”ليلة الغدر”.

حسن حول منزلهم الذي حدثت فيها المجزرة إلى مكتبة عامة يرتادها محبو قراءة الكتب، وقاعة تنظم فيها نشاطات ثقافية، لإيصال رسالة إلى العالم بأنهم أعادوا إحياء المكان الذي شهد موت أفراد عائلته من خلال الأدب والثقافة.
وفي حديثه لـ”نورث برس” يقول حسن “كنا في شهر رمضان، وأثناء الاستيقاظ من أجل السحور، سمعنا صوت الرصاص، أخي أحمد متزوج ولديه/6/ أولاد، خرج ليعرف ماذا يحدث في الخارج، فقام عناصر داعش بقتله على الفور”.
وأردف “بعد مقتل أخي أحمد خرجت أمي وراءه، وبعدها خرج أغلب أفراد عائلتي، وكذلك زوجة أخي أحمد لحقت بزوجها وتم قتلها، وقتلت أمي أيضاً”.
ويضيف حسن “أخي رودي وزوجته بروين المتزوجان حديثاً، خرجوا أيضاً، رودي كان يريد جلب أخي أحمد للداخل، فأصيب بطلقة وعاد للمنزل، وأمام هذه الغرفة التي أصبحت مكتبة دخل عناصر داعش وقتلوا رودي وبروين، وأختي كلستان، قامت بأخذ ابن أخي(آمد) وعمره شهرين من حضن أمه ريحانة بعد مقتلها، ودخلت إلى المنزل وحاولت إخفاء نفسها خلف الباب لكن عناصر داعش قتلوها”.
الأختان (بيريفان وجيهان) الوحيدتان اللتان نجتا ليلتها، هما أيضاً كانتا داخل المنزل، خرجوا للاتصال بالإسعاف، ومن غرفة معتمة كانت تعرضت للتدمير أثناء المعارك التي دارت في كوباني سابقاً، رأوا أحد المسلحين أمام باب منزلهم، وعرفوا أن هناك من يريد قتل جميع أفراد العائلة دون معرفة السبب، فاختبأتا.

المجزرة حدثت في الرابعة والنصف صباحاً، بينما جيهان وبيريفان اختبأتا حتى الثانية بعد الظهر في تلك الغرفة.
يتابع حسن حديثه “قتل عمي مصطفى حمو الذي كان يسكن في الطابق الثاني، وفقدنا ابن عمي عثمان أيضاً حين كان يحاول اسعاف اخي.”
قتل ليلتها /11/ شخصاً من عائلة عدنان حسن وعائلة عمه مصطفى، عدنان كان قد خرج قبل ليلة المجزرة بيوم واحد إلى تركيا من أجل الدراسة، وفي اليوم الثاني بعد المجزرة عاد إلى كوباني ليرى الفاجعة.
ويوضح حسن أن عائلته كانت تتألف من ستة إخوة، وخمس أخوات، وفقد والده حياته أثناء التفجير الذي حدث قرب مركز الهلال الأحمر الكردي في كوباني في الـ11 من شهر كانون الأول/ديسمبر2013، وأخته شيرين كانت مقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة، هي الأخرى فقدت حياتها في الـ30 من أيلول/ سبتمبر2014 أثناء الدفاع عن مدينتها ضد هجوم عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، فأصبح مجموع أفراد عائلته الذين فقدوا حياتهم أثناء الأحداث التي شهدتها كوباني ثمانية أشخاص.
ويقول حسن “في هذا البيت الذي عشنا وتربينا فيه، كانت لنا ذكريات كثيرة، وخاصة هذه الغرفة التي حولتها إلى مكتبة، ففي بداية الأحداث التي اندلعت في سوريا كانت كل لقاءاتنا تتم في هذه الغرفة، وأستطيع أن أقول أنها كانت لكل الكوبانيين”.
يتابع عدنان “بعد أحداث المجزرة، ورؤية بريفان وجيهان كل شيء بأعينهم، لم يستطيعوا العودة إلى هذا المنزل للعيش فيه، وأنا لم أكن موجود ليلتها ولكن عندما عدت رأيت الدماء على الأرض، وقمت بتنظيف دماء أمي وأختي بيدي، كما أن دماء أختي كلستان بقيت فترة على الحائط إلى أن قمت بتغطيتها بالدهان بعد فترة”.
ويضيف حسن “كان من الصعب أن نعود ونعيش في هذا المنزل، ولكن كان صعباً أيضاً أن نغادره، حاولت العودة للمنزل فكل ذكرياتي فيه، ولكن لم أستطع إقناع أخواتي بريفان وجيهان ليعودوا ويعيشوا هنا حياة طبيعية، لأن المنزل هو منزل أمي وهو ما كنا نسميه منزل الضيوف، وإغلاق المنزل كان مشكلة بالنسبة لي”.
أخوه رودي وزوجته بروين كانا يحلمان أن يؤسسا مكتبة صغيرة في منزلهم بعد الزواج، رودي الذي كان يدرس في اسطنبول ويعمل في نفس الوقت، وصلت شهادته من المعهد بعد وفاته، حقيبته الدراسية وأغراضه وكتبه وأقلامه لا زالت معلقة في الغرفة التي تم تحويلها إلى مكتبة باسمهما تحقيقاً لرغبة كان يحلمان بها وهم على قيد الحياة.
يقول حسن “بعد المجزرة فكرت وقررت تحويل المنزل إلى مكتبة، وعملت على فكرتي نحو عام، وقمت بحملة لجمع الكتب، حيث قام أصدقائي بمدينة آمد/ديار بكر(جنوب شرقي تركيا) بتجميع بعض الكتب، وكتب رودي الموجودة في اسطنبول وصلتني عبر أصدقائه، وفي التاسع من أيار/مايو2016 أسستُ المكتبة، وهو اليوم الذي نعتبره عيد المعلم في كوباني، لأننا دخلنا كمعلمين إلى مدارس كوباني أول مرة وقمنا بالتدريس باللغة الكردية، ورودي كان مشارك وقتها، وبعد عام من تأسيس المكتبة استطاعت أخواتي بيريفان وجيهان أن يعودوا للمنزل كمكتبة وليس كمنزل عائلتهم”.
حسن استأجر منزلاً لمدة عام ثم قام ببناء منزل فوق المكتبة، وحالياً يعيش في الطابق العلوي، بينما الطابق السفلي أصبح مكتبة وقاعة مطالعة تحيى فيهانشاطات ثقافية.

وعن المكتبة يقول حسن “يوجد فيها حوالي/2500/ كتاب أغلبها باللغة الكردية، إضافة إلى بعض الكتب باللغة العربية والتركية، ويتم توسيع نشاطات المكتبة باستمرار، المكتبة أتت كرد فعل، وعبرها أردنا إيصال رسالة لكل العالم أن إرادتنا لن تنكسر، لأننا حوّلنا مكاناً حدثت فيه أبشع مجزرة في التاريخ لمكتبة، ففي لحظات أغمضنا أعيننا وفتحناها لنرى أننا فقدنا أكثر من نصف عائلتنا”.
حوّل عدنان قصة فقدان عائلته, إلى مكتبة يروي فيها ما يحمله من ألم ويقول “نريد أن نحكي قصة المجزرة وقصة المكتبة للزائرين، وبقدر الألم عند الحديث عن المجزرة نحاول أن نوصل الصورة الهمجية لـ”داعش” وأفعاله في سوريا بشكل عام، وفي كوباني بشكل خاص”.
ويضيف حسن “خلقنا من الموت حياة أدبية وثقافية ومن خلال هذه النشطات الثقافية التي تتم هنا، فكل شخص يستعير كتاباً يعيد احياء رودي وبروين بالنسبة إلينا”.
يذكر أن مجموعات من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش) هاجمت في الـ25 من شهر حزيران/يونيو قرية برخ باتان/30/ كم جنوب كوباني ومركز المدينة متنكرة بزي وحدات حماية الشعب، وارتكبوا فيها مجازر من خلال القتل المباشر بأسلحة نارية ومن خلال عمليات القنص، وقتل وجرح أكثر من /600/ مدني في تلك الليلة.