أربيل ـ نورث برس
تستغل تركيا مكانتها على أصعدة مختلفة في ظل الظروف الدولية لتحقيق ما تخطط له من طموحات في شرق المتوسط وسوريا وحتى في القوقاز، بينما وبحسب المواقف الدولية من التقارب الروسي التركي يظهر أن ذلك يفيد قطاعات ويؤثر سلباً على أخرى.
وهذا ما يوضحه الدور الذي تريد تركيا لعبه على الساحة العسكرية في سوريا وسط صمت دولي إيجابي حيال أن تكون تركيا عنصراً وسيطاً بين أوكرانيا وروسيا وما يخص الملفات الاقتصادية أبرزها القمح الأوكراني وآلية تصديره.
بالإضافة إلى العمليات التركية ودورها في العراق وليبيا وسوريا وجنوب القوقاز، والآن أوكرانيا، حيث الجزء الكبير منها يصب في مصلحة الحلف الغربي، ما يعني أن أي تحرك تركي يحمل أوراقاً يتيح لها التفاوض والمساومة مع مختلف الدول بمختلف توجهاتها.
وعلى ما يبدو فإن الظروف تجري مواتية لتركيا لفرض أوراقها نظراً لمكانتها العسكرية لدى الغرب باعتبارها ثاني أقوى دولة في حلف الناتو، وكذلك الجغرافيّة الممتدة بين جنوب القوقاز وإيران من الشرق وصولاً إلى منطقة القرم من الغرب مروراً بعرض البحر الأسود ما يكسبها مكانة تجارية كبيرة.
ففي اللقاء الذي جرى بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي جاويش أوغلو في أنقرة، يوم أمس الأربعاء، كان التركيز على القضية التي شجعت عليها الأمم المتحدة بعد تحذيرها من مجاعة عالمية، وهي وضع آلية تصدير القمح الأوكراني في ظل الحرب المستمرة منذ الرابع والعشرين من شباط / فبراير الفائت بين روسيا وأوكرانيا.
لكن الجانب التركي حاول استغلال موقفه باستحصال موافقة ضمنية لشن عملية عسكرية في شمالي سوريا حددها بمنطقة تل رفعت ومنبج شمال شرق حلب.
ولم يتبين على الفور ما إذا ستكون روسيا مستعدة لمنح الضوء الأخضر لأنقرة، فقد يكون ذلك معتمداً على ما ستقمه تركيا من تنازلات في إدلب ومدى استجابتها للعودة إلى التطبيع مع حكومة دمشق، أو في ملفها مع أوكرانيا أو حتى موقفها من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.
لكن اللاعب الأهم في المنطقة وهو الولايات المتحدة الأميركية، تحذر من أي تصعيد في المنطقة له تداعيات على المسيرة نحو حل سياسي في البلد الذي مزقه الصراع منذ 11 عاماً، وتأثيره الخطير على جهود محاربة “داعش”.
بينما من المحتمل أن لا تعترض روسيا على التوغل التركي إذا ما كان هذا التوغل تقوض وجود عسكري أمريكي طويل الأمد في سوريا على أمل إعادة المنطقة الشمالية والشرقية إلى تحت سيطرة حكومة دمشق.
فالنسبة لروسيا الوجود التركي المشروط أهون لها من إدارة ذاتية متصاعدة ومسيطرة ذات نفوذ، علماً أن الأخيرة تشدد دائماً على أنها مع حل سياسي ديمقراطي ضمن سوريا موحدة.
وأكثر ما قد يدفع الجانب الروسي إلى القبول بالخطة التركية هو تقوية نفوذ دمشق من جهة وإخضاع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وتحجيمها لتكون موسكو هو اللاعب الأساس بدلاً من واشنطن الذي بدورها ترفض العملية ما لم تدخل في مصالح استراتيجيتها طويلة المدى في سوريا والعراق والشرق الأوسط، ومدى تأثيرها على كبح جماح النفوذ الإيراني.
وتلك ما يراها مراقبون ظروفاً دولية تصب لمصلحة تركيا والتي لها وجهة نظر استغلالية للمشاكل العسكرية لموسكو في أوكرانيا، والتي أضعفت نفوذ روسيا نسبياً في سوريا، وقد تجلى ذلك في الجنوب حيث حذر ملك الأردن من أن انسحاب الروس قد يكون فرصة للانتشار الإيراني.
ولعل الموقف التركي من انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي يتوافق والموقف الروسي الذي يتخوف من تمدد الناتو في شرقي أوروبا، بعض النظر عن اختلاف الأهداف وراء موقفيهما.
لكن من المستبعد أن تتمكن روسيا من إبقاء تركيا على موقفها بهذا الشأن، لأن تركيا تعلم أن رفضها القاطع لانضمام الدولتين الاسكندنافيتين سيؤثر بالفعل على عقود استراتيجية طويلة المدى مع أوروبا والولايات المتحدة.
لذا ما تريده تركيا من هذا الملف حقاً هو فقط تحقيق حالة التوازن في علاقاتها مع الناتو والروس كالتي تتعلق بصفقات الأسلحة إس 400 الروسية و إف 35 الأميركية.