منطقة الست زينب في دمشق مركز انطلاق المخطط الإيراني التوسعي في سوريا
دمشق – نورث برس
لم يأخذ وليد مهنا (52 عاماً) وهو من سكان الجزء الشمالي لمقام الست زينب، جنوب العاصمة دمشق، وقتاً بالتفكير عند سؤاله عن وضع مكان سكنه واختصر جوابه بالقول: “إذا نظرت حولك ماذا ترى!”.
ويقصد الرجل الخمسيني أن المنطقة لا تشبه أي مكان في سوريا ويصعب عليك قراءة الأسماء المكتوبة على الواجهات وكأنك في بلد آخر خارج حدود هذا البلد.
وأثناء تجاوز مدينة دمشق إلى ريفها في الطرف الجنوبي وعلى بعد عشرة كيلومترات، فإنك تلاحظ على مقربة أعلاماً وشعارات لحزب الله، ما يعطيك انطباعاً كأنك خرجت من حدود الأراضي السورية.

وبمجرد مرورك عبر طريق المطار الدولي، ترى الطريق إلى منطقة الست زينب التي يغلب عليها الطابع الشيعي ويأخذك الطريق إلى عمق المنطقة التي توسع فيها البناء العمراني والخدمات المتوفرة أكثر من العاصمة ذاتها.
إذ أتاح غياب المؤسسات الحكومية الفرصة أمام المؤسسات الإيرانية لتوفير الخدمات في المنطقة بالتزامن مع محاولة فرض أجندة ثقافية وإيديولوجية، وفقاً لمتابعين للشأن السوري.
والحياة في منطقة الست زينب مستقلة عن دمشق، السكان هنا يستخدمون كافة أنواع العملات ويتعاملون مع الزوار بالعملة الإيرانية والعراقية والدولار الأميركي، أما السوريون يتعاملون بالعملة المحلية.
ووفقاً لشهادات سكان، فإن إيران دأبت على تشييع السوريين حتى قبل الحرب السورية، ولكنها عززت ذلك أكثر بعد الحرب وخاصة في منطقة الست زينت التي يعتبرها البعض “مركز انطلاق المخطط الإيراني التوسعي” في سوريا.
“منطقة تصفية للحسابات”
يقول “مهنا”، إن المنطقة انقلبت عما كانت عليه قبل 2011 وخاصة بين السنة والشيعة، “السني هنا بلا قيمة وذبحه مثل الناقة خلال ثواني، لذلك لا يوجد ما يحميك سوا أفعالك”.
وبعد تعزيز إيران وجودها في الست زينب، ساد “قانون الغاب” وقوة السلاح وأي مشكلة تحصل يكون القتل سيد الموقف بين السنة والشيعة، بحسب سكان يسكنون في المنطقة.
هذا الحال، يجبر “مهنا” الذي كان قد تزوج عام 2000، على منع ولده وحيد من الاختلاط مع أقرانه في الشارع وحتى أصدقائه في المدرسة “حفاظاً عليه من القتل”.
وبداية الشهر الجاري، قتل سبعة أشخاص بينهم الطفلة نور قحطان (12عاماً) باشتباك مسلح بين عناصر تابعة للفصائل الإيرانية في منطقة الست زينب إثر خلافات مادية بدأت بمشادات كلامية وشجار بالأيدي تطور إلى إطلاق نار.
وتحتوي المنطقة عدداً من المزارات الشيعية، أبرزها مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وتُعرَف بمكانتها الدينية الخاصة لدى أتباع الطائفة الشيعية.
ويعتبر مقام الست زينب من التحف المعمارية والأماكن الدينية التي يحج إليها الزوار الشيعة من داخل الأراضي السورية ومن دول مجاورة مثل لبنان والعراق وإيران وعدد من دول الخليج وحتى باكستان وأفغانستان.
وتُتَهَمُ إيران بالعمل على استمالة الشيعة السوريين وتجنيدهم ضمن فصائل تعزز نفوذها العسكري، كما تتهمها أطراف معارِضة بالمساهمة في تفشي الخطاب الطائفي، وتنفيذ حملات تشييع في سوريا.
ويستذكر “مهنا” الذي يسكن في الست زينت منذ 1988، سنوات خلت، كان فيها سكان المنطقة، التي تعتبر من أهم المواقع للسياحية الدينية، يستفيدون من ذلك.
ويضيف: “تحولت منطقتنا في الحرب إلى منطقة تصفية للحسابات منذ تولي عائلة الزيات التي تنحدر من بلدة الزهراء بريف حلب الشمالي زمام الأمور فيها”.
“دمشق محتلة إيرانياً”
وحصلت نورث برس على معلومات من خلال إحدى الجلسات في منطقة الست زينب حول المخطط الذي يحاك لتشييع السوريين.
وفي تلك الجلسة، كان سلطان الزيات وهو يعمل لصالح المراكز التي يتم فيها استقطاب السوريين، وينحدر من بلدة الزهراء، قال إن إيران تهتم في ثلاث مناطق في سوريا وتحت رعاية الحكومة السورية وهي دير الزور وحلب ودمشق.
واعترف “الزيات” بأن تلك المراكز هدفها استقطاب أكبر عدد من السنة للتشيع مع الموالين لإيران، وذكر منها مركز بجرمانا بريف دمشق ومركز في منطقة النقارين بحلب.

وتفاخر أن إيران “نجحت في استقطاب عشيرة البكارة في حلب التي تعد من أكبر العشائر السورية ضمن أحياء حلب الشرقية”.
ويعمل مركز جرمانا على دعم الأطفال في التعليم وتقديم وجبات جاهزة للسكان مجاناً، مما دفع الكثيرين للانضمام إلى أعمال تقوم بها الورشات التي تزودها إيران حتى في المهن من ورشات نجارة وحدادة وبناء منازل.
وتستمر إيران باستخدام موالين لها وبدعم من حكومة دمشق، على بسط سيطرتها على مناطق في سوريا وبشكل كامل، مما أصبح يدفع البعض للقول: “إن دمشق محتلة إيرانياً”.
ويقول سكان في دمشق لنورث برس، إن أهداف التواجد الروسي والإيران في بلادهم يختلفان عن بعضهما، إذ تسعى الأخيرة لفرض معتقداتها الدينية وفرز الشعب السوري إلى أقسام وتحقيق ما يعرف في المنطقة بالهلال الشيعي الذي يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان.
فيما التواجد الروسي على الأرض السورية لدعم مصالح لها وأهمها الوجود في الشرق الأوسط.
استملاك عقارات
ويقول محمد زين الدين (55 عاماً)، وهو من سكان شارع التين بمنطقة الست زينت إنه خلال عامي 2009 و2010 استملكت مجموعات شيعية الكثير من العقارات والفنادق والأراضي الزراعية.
وبدأت تلك المجموعات في إنشاء قواعد لها على شكل مراكز دينية تعنى في رفع مستوى الزوار القادمين للحج والزيارة للمقام، بحسب “زين الدين”.
وحينها، عُرض على الرجل بيع منزله الذي يسكن فيه مع عائلته المكونة من زوجته وأولاده الأربعة منذ عام 1982، لكنه رفض “الصفقة المغرية” التي عرضت عليه، وفقاً لما يذكره لنورث برس.
ويلفت “زين الدين” النظر إلى أنه منذ عام 2006 أصبحت ظاهرة استملاك العقارات والكسب التجاري والتواجد الشيعي ينشط بكثافة في المنطقة.
ويضيف: “منذ ذلك الحين أصبحت الأذرع الموالية لإيران تشتري المنازل من الأغلبية السنية التي تقطن في جوار قبر الست”.
وتضم منطقة الست زينب، عدة جوامع ومشافٍ منها مشفى الإمام الصدر ومشفى الإمام الخميني وجامع أويس القرني
وجامع عبد الرحمن بن عوف ومسجد العباس.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها نورث برس من سكان المنطقة، فإن مجموعات تعرف باسم “ذو الفقار” موالية لإيران، خرجت منذ الحرب في البلاد وذلك للدفاع عن المقامات وأنها أصبحت تجبر السكان على ترك منازلهم بالقوة أو تصبح شيعياً وتحمل السلاح معهم.
ووفقاً لهؤلاء فإن “ذو الفقار” أجبرت الكثير من شباب سكان المنطقة على حمل السلاح حفاظاً على وجود عائلاتهم في المنطقة.
وأن كل العناصر الموالية لإيران التي كانت تقاتل معهم يطلق عليهم اسم “المكلف” وهي تسمية يتميز بها المقاتل الشيعي عن السني.
ويتحسر “زين الدين” على سنوات خلت حيث كانت “الحياة بسيطة ولم نكن نشعر أننا في منطقة تعيش بها عدة طوائف”.