غبطة متبادلة بين سوريين نجوا بأنفسهم من الحرب وآخرون يعيشون تفاصيلها

دمشق- نورث برس

تتمنى نهى محمد (25 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفية في دمشق، لو أن الحظ حالفها وخرجت من سوريا كما شقيقتها شذى (30 عاماً)، الطبيبة المقيمة في فرنسا، فمهما كانت الأوضاع في الدول الأخرى، “تبقى أفضل من هنا”.

وغالباً ما تضم محادثة الشقيقتين على وسائل التواصل الاجتماعي جملاً من الغبطة، لا تصلان من خلالها لنتيجة وضع من أفضل من الأخرى.

وتقول شذى، الملهوفة على دمشق أثناء حديثها مع نهى على تطبيق الواتس آب، “نهى صوريلي منيح هي الحارة والشجرة”.

ترد الأخرى بلهجتها المحلية، “خلصينا بقى إنتي وأطلال الياسمين تبعك، ابكي تحت برج ايفيل مو أحسن ما تبكي تحت جسر الرئيس”.

وهذا الحوار يجري بشكل يومي بين أخذ ورد في حديث من خرج لينجو بنفسه من الحرب ومن لا يزال يعيش تفاصيلها، حيث يغبط الخارج من في الداخل على نعمة الأهل، والثاني بدوره يغبطه على الحياة “الكريمة”.

ويتجاوز عدد اللاجئين السوريين في الخارج نحو ستة ملايين شخص موزعين على 126 دولة، بحسب تقرير أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2019.

وقبل الحرب، بلغ عدد سكان سوريا نحو 22 مليون نسمة، ودفعت المعارك أكثر من نصفهم للفرار من مناطقهم، فيما فقد الآلاف منهم حياتهم وما يزال مصير الآلاف مجهولاً.

وتدفع الأوضاع الاقتصادية المتردية وتفاقم الوضع المعيشي من لم يغادر البلاد للتفكير والتخطيط للسفر.

من يستطيع العيش هنا؟

تقول الطبيبة لنورث برس، إن “موضوع الغبطة إن لم نسميه حسداً متبادلاً بين من يعيشون في الداخل والخارج، لكن دائماً أسأل إخوتي وأخواتي أنتم حين تمرضون أمي بجانبكم، أنا من بجانبي؟ يردون المشافي المحترمة والعناية الطبية الكبيرة!”.

وتضيف: “يتهموني بالمشاعر المشلخة، وكأننا تبادلنا الأدوار، ربينا على أن الغربة تجعل الشخص قاسٍ، لكن على ما يبدو أن البلاد اليوم هي من تجعلهم أقسى”.

وتزيد الطبيبة على ذلك، “نحن كشباب وصبايا مغتربين، وخصوصاً من خرجنا متأخرين من البلاد، أي عشنا فيها لبعد العشرينات من عمرنا، مازلنا متعلقين بالعادات والتقاليد، الأفراح والأتراح، نحن بشر ونشتاق!”.

وتشرح أن “القسوة تأتي إلينا كشباب مغتربين بفعل الحرب والرغبة بالحياة الكريمة والمستوى العلمي العالي، إن المحيط ينظر إلينا كمادة ومصاري فقط”.

ولكن في المقابل ترى نهى أن كل هذا الكلام “عاطفي بحت، وهم/ن، حتى أختي لم تعد تستطيع أن تجلس في البلاد التي أنهكتها الحرب”.

وتضيف بتهكم، “من يستطيع أن يعيش هنا؟”.

وتتساءل الصحفية: “من اعتاد على الكهرباء 24 ساعة هل يستطيع أن يجلس بدونها نصف ساعة فقط!، ومن تعلم وتطور وعاش منفصلاً ومستقلاً دون تدخل المحيط به، هل يستطع العيش مجدداً هنا؟”.

وتضيف: “هذا ما عدا الخبرات التي اكتسبوها ونحن لم ولن نحصل على أي شيء، على الأقل الذين يعيشون في الخارج لا يفكرون بثمن ربطة خبز وطعام طفل!، نعم لذلك نغبطهم حتى لو كانوا إخوتي وأخواتي!”.

وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية أزمات خانقة تتمثل في نقص المحروقات والخبز وتقنين حاد في الكهرباء وأزمة مواصلات، في ظل موجة غلاء غير مسبوقة على خلفية انهيار قيمة الليرة السورية.

“مستقبل ضاع”

ويقول فارس أسعد (38 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس مدني، إنه بات يتحايل لكي لا يتحدث مع أصدقائه في قريته بريف مصياف بريف حماة أو حتى بدمشق.

يضيف: “مللت من كلمة نيالك وكأنهم يعتقدون أننا فقط نعيش رفاهيات أوروبا، نحن لا نختلف عن المكنات التي تعمل دون مشاعر، ينظرون لنا كأننا حزمة دولارات متنقلة وهذا ينعكس على نفسيتي بشكل سيء للغاية”.

 ويقتصر تواصل المهندس الذي سافر إلى أوروبا منذ عشر سنوات، مع والديه فقط، “حتى إخوتي خففت التواصل معهم”.

ويشعر “أسعد” أن سفره إلى أوروبا خطوة صحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت، وخاصة أنه قضى في سوريا 28 سنة وله ذكريات فيها.

وترد مها محمد (30 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندسة بريف مدينة حمص، ما زالت تقيم في سوريا على صديقها فارس، “عندما نقول نيالهم يعني أننا نغبطهم ولا نحسدهم”.

وتشير إلى أنها تدخل في مناظرة مع صديقها دائماً، وتسأله “أنتم من سافرتم على ماذا تغبطونا؟ على مستقبل ضاع منا دون فيزا إلى أي مكان تجعلنا أقل ما يمكن نطور أنفسنا مهنياً؟”.

إعداد: دهب محمد- تحرير: سوزدار محمد