“النقطة 11” أدهى سجون “داعش” في الرقة.. كابوس الاعتقال يرافق نشطاء وصحفيين

الرقة – نورث برس

مرور أكثر من سبع سنوات لم تساعد أحمد النايف (34 عاماً) وهو من سكان مدينة الرقة، حتى الآن على نسيان ما ذاقه في ملعب الرقة البلدي الذي ترك في ذاكرته ندوباً فشلت كل تلك السنوات في محيها.

كان الرجل الثلاثيني يعمل محامياً عاماً بعد حصوله على إجازة في الحقوق من جامعة حلب عام 2011، ومنذ بداية دراسته الجامعية، يمارس عمله في النشاط المدني والحقوقي وانتقاد الواقع الاجتماعي في سبيل تطويره بمدينته.

لكن طبيعة عمله في المجال الحقوقي والمدني، كانت السبب أن يقضي شهوراً عدّها سنوات في أدهى سجون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأكثرها رعباً في الرقة.

وفي الرقة، ومنذ بسط سيطرته الكاملة عليها عام 2014، قام “داعش” باعتقالٍ وإخفاء قسري للعاملين في النشاط المدني والحقوقي وصحفيين ونشطاء إعلاميين في المدينة، بحسب شهادات العديد منهم.

ولجأ غالبيتهم للخروج من الرقة والتوجه لمناطق سورية أخرى أو الهجرة خارج البلاد، بعد حملة اعتقالات شنها التنظيم على الناشطين.

ورغم تحذيرات زملاء له، خرجوا من الرقة، من تعرضه للاعتقال وإلحاحهم المتكرر بضرورة ترك المدينة، إلا أن ظروف المحامي لم تسنح له، حيث كان والده طاعناً في السن ولا يوجد معيل لعائلته غيره.

وتعرض “النايف” للاعتقال على يد عناصر “داعش” في 2014، وكانت تهمته العمل كناشط مدني والتواصل المباشر مع عناصر تابعين لفصائل المعارضة السورية، وفقاً لما أفاد به نورث برس.

“النقطة 11”

ومع المئات من المعتقلين، قضى المحامي فترة اعتقاله في الملعب البلدي الذي تحول إلى سجن أيام “داعش”، أطلق على تسميته بالملعب الأسود، ووصُف بأنه أكثر سجون “داعش” رعباً.

وكان الملعب قد افتتح عام 2006، وكان مخصصاً لمباريات وتدريبات نادي الشباب الرياضي في الدوري السوري.

ولكن بعد سيطرة التنظيم على الرقة، حوله إلى سجن وأطلق عليه “النقطة 11″، وكانت تقام على أرضية الملعب عمليات الإعدام مثل الذبح والرمي بالرصاص إلى جانب عمليات التعذيب القاسية.

وكان الملعب يضم قسمين شمالي وجنوبي، إذ الشمالي كان فيه قاعات جماعية كبيرة ومركز سجن انفرادي، وغرفة فيها أقفاص للأحكام الأكثر تشدداً، بالإضافة لمكتب تحقيق وغرفة أمانات، وسجن خاص لعناصر التنظيم.

والقسم الجنوبي كان يضم إدارة السجن ومهاجع كبيرة، ومداخل من بداية الجهة الجنوبية حتى نهايتها، كانت تضم سجوناً منفردة، بحسب ناشطين.

وكان التنظيم يروج كثيراً لهذه النقطة لترهيب سكان المدينة وكل من يسكن في مناطق سيطرته، حيث تعتبر محاولة تنبيه يستخدمها التنظيم لعدم تجرأ أي شخص على ارتكاب أي خطأ، وتطبيق ما يأمر به فقط، بحسب نشطاء وسكان في الرقة.

ووفقاُ لشهادات معتقلين سابقين، فإن الإعدامات كانت تتم في “النقطة 11” بشكل يومي، وطالت أشخاصاً مدنيين ونشطاء بتهمة جعله التنظيم ديدنه للاعتقال وهي “التجسس أو الخيانة والتآمر” لجهات خارجية، وكل من يخالف سياسة التنظيم يتم تصفيتهم في هذا المعتقل.

وخلال فترة سيطرة التنظيم على المدينة، تجاوز عدد المحتجزين داخل هذا المعتقل أكثر من ألفي شخص، لم يعرف مصير الكثير منهم بسبب الاختفاء القسري أو الإعدام على يد التنظيم خلال فترة ما بين عام 2015 لغاية 2016، بحسب ملهم شعبان وهو ناشط مدني من الرقة ومهتم بشؤون الإرهاب والتطرف.

تعذيب جسدي ونفسي

يسرد المحامي تفاصيل ما عاشه في “النقطة 11″ بنفس عميق، ” بداية اعتقالي كنت ممنوعاً من الجلوس ومعصوب العينين في غرفة مظلمة يُسمح لي بالتحرك فقط أثناء أداء الصلاة، ومحروم من الطعام إلا وجبة واحدة فقط في اليوم”.

يستذكر “النايف” الضرب المبرح الذي تعرض له أثناء تعليقه من يديه على قطعة تسمى (البلنكو) وهي تستخدم لصيانة محركات السيارات، “حيث تتعرض للضرب ومن ثم تبقى معلقاً لحين فقدان الوعي”.

ويضيف: “كنت أتعرض للتعذيب بشكل منتظم وكل يوم يأتي أقسى من الذي سبقه، في بداية الأمر كنت أتعرض للضرب بالسوط، من ثم للتعليق في السقف من اليدين والجلد على منطقة الظهر، من ثم صعقات كهربائية لتحصيل اعتراف يدينني”.

وفي الجلسات الأولى من التحقيق ردد له المحقق الخاص بالتنظيم أن أحد مصادره الموثوقة زودهم بمعلومات تأكد ارتباطه الوثيق مع قياديين من فصائل المعارضة، وإرساله معلومات خاصة لهم من المدينة.

لكن  بعد مصادرة هاتفه الخاص وتفتيشه والتأكد منه، لم يثبت التنظيم أي دليل للتهم التي وجهت لـ”النايف”، حيث تم إطلاق سراحه بشرط الخضوع لدورة شرعية مكثفة لمدة شهرين متواصلين،، بحسب قوله.

“أيام سوداء”

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت عام 2017، سيطرتها على الرقة بعد معارك عنيفة خاضتها ضد التنظيم  استمرت 166 يوماً.

ولا يختلف حال وسام العبد (31 عاماً) وهو صحفي من مدينة الرقة، كثيراً عن سابقه، إذ اعتقل هو الآخر عام 2015، بتهمة العمل مع جهات إعلامية وإرسال تقارير مصورة لهم.

يقول “العبد” إن التنظيم كان يحاربه نفسياً وجسدياً، حيث “بدأوا بتعذيبي بالضرب في البداية دون تحصيل أي اعتراف مني بالتهم”.

ويضيف: “بدأوا بعد ذلك محاربتي نفسياً بوضعي في غرفة مظلمة وزيارة المحققين بفترات متقطعة باليوم لإخباري بإصدار حكم الإعدام في حال عدم اعترافي”.

لم تختلف وسائل تعذيبه عن المحامي، حيث كان المعتقل داخل السجن يقف معصوب العينين ومكبلاً لأيام عديدة تصل لأسبوع دون طعام أو شراب، إلا في أوقات الصلاة يعطونه القليل من الطعام للمحافظة على توازن الجسم.

قضى “العبد” أسابيع في “النقطة 11″، يصفها بأنها كانت “أياماً سوداء حالكة”.

خرج الصحفي من السجن بعد ذلك ولكن “بعد خروجي من المعتقل أصبح يراودني كابوس الاعتقال والتعذيب الذي تعرضت له بمجرد تذكره أو المرور بجانب الملعب”.

بعد خروجه من السجن، سافر “العبد”، إلى تركيا للعمل في معمل صناعة سجاد الخيار، في محاولة منه للهروب من الأحداث والكوابيس التي كانت تطارده حتى في منامه، ليعود لمنزله بعد طرد التنظيم من الرقة.

إعداد: عمار حيدر- تحرير: سوزدار محمد