آمال تتبدد.. نازحون في شمال شرقي سوريا ينظرون للمستوطنات التّركية على أنها “حكم بالنفي”
القامشلي – نورث برس
يقف عبود جبر (52 عاماً)، أمام خيمته في مخيم واشوكاني غربي مدينة الحسكة، آملاً بالعودة إلى سري كانيه (رأس العين) التي تعمل تركيا لتوطين لاجئين فيها على حساب تهجيرها سكانها الأصليين.
ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً، استقر الرّجل الذّي ينحدر من العراق في سوريا، بعد نزوحه جراء حرب الخليج.
وفي الأسبوع المُنصرم، كشف الرّئيس التّركي عن مشروع يتيح “العودة الطّوعية”، لنحو مليون لاجئ سوري، عبر إنشاء مستوطنات في مناطق تسيطر عليها تركيا بسوريا.
وينظر “جبر” إلى سري كانيه على أنها مسقط رأسه كمدينة البصرة تماماً، فهو الذي استقر فيها وعاش طفولته وتزوج لينجب أربعة أطفال، لتشاء الأقدار أنّ يكون لي وطنين، نازح هو من كلاهما، حسبما يقول لنورث برس.
ويستذكر الخمسيني حياته في سري كانيه، “كانت جميلة، وسكان المنطقة تعايشوا بدون أي تمييز، ولكننا الآن في المخيمات”، إذ نزح برفقة 300 ألف شخص من سري كانيه وتل أبيض، وفق ما يفيد.
ويلفت الرّجل النّظر إلى محاولات تركيا لإعادة العائلات السّورية داخل الأراضي التّركي، إلى المناطق التي هُجر منها سكانها الأصليين، “وهذا تغيير ديمغرافي واستيلاء على منازلنا وأملاكنا”.
“غريب في منزلك”
ويذكر “جبر” أنّهم في حال عادوا والعصابات المسلحة ما تزال هناك في إشارة منه إلى فصائل المعارضة الموالية لتركيا، سيعيشون “بذل، لذا الأفضل هو البقاء حالياً في المخيم”.
ويعتبر النّازح، المشروع التّركي الأخير محاولة للتخلص من السّوريين الذين لجأوا إلى تركيا، إذ أنّ “هذه المستوطنات ستكون قواعداً لتركيا داخل الأراضي السّورية”.

وفي ذات المخيم، تقول سوزدار شيخي (27 عاماً)، نازحة من حي زور آفا بسري كانيه ومدرسة في المخيم، إنّ تركيا هجرت السّكان الأصليين لتوطن غيرهم، “من حقنا العودة، لا أنّ يتم رمينا والتّخلص منا هكذا، فليعد اللاجئون السّوريون إلى مناطقهم لا إلى أراضينا”.
فيما تصف ناريمان إبراهيم (48 عاماً)، وهي نازحة من المكون التّركماني في سري كانيه، قرار إنشاء المُستوطنات بـ “حكم بالنفي” على نازحي تلك المناطق.
وتشير المعيلة لثمانية أطفال بعد وفاة زوجها منذ حوالي ثماني سنوات، إلى أنه من الصّعب “أنّ ترى غريباً يقطن منزلك، وأنت مهجر وتعيش تحت سقف خيمة في العراء”.
ومن الحسكة إلى ديرك أقصى شمال سوريا، وتحديداً في مخيم نوروز، يعيش حافظ الحسن (38 عاماً) وهو أيضاً نازحٌ من سري كانيه، مع زوجته وأطفاله السّبعة، منذ ثلاث سنوات، وينظر إلى ما يصفه بـ “الاحتلال بصيغة جديدة” لمنازلهم وأراضيهم.
ويشير الرّجل إلى أنّ تركيا هي المُشرف على كل ما حدث في سوريا من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “داعش”، التي تسترت بالدّين الإسلامي البريء من كل ممارساتها، على حد تعبيره.
“المشروع عبارة عن خدعة”
ويحمل “الحسن” مسؤولية إعادتهم لمنازلهم، للأمم المتحدة، مطالباً إياها بـ “التّعامل معهم كما تعاملت مع نازحي أوكرانيا”، والضّغط على تركيا لسحب قواتها من أراضيهم وتوفير الحماية اللازمة لعودة آمنة لهم.
وفي مخيم نوروز، تتساءل حسينة علي (63 عاماً) وهي نازحة من ريف سري كانيه على خط أبو راسين (زركان)، إن كان قدرهم أنّ يموتوا تحت الخيام، قهراً وكبداً وهم يرون غيرهم يقطنون منازلهم.
وتريد “علي” العودة إلى منزلها والخروج من المخيم، باعتبار أنه “لا تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة”، فالخبز الذي يحصلون عليه لا يكاد يكفيهم، مشيرة إلى أنها كانت تمتلك تنوراً في منزلها تخبز فيه وتوزع على جيرانها قبل نزوحها.
وبهذا الخصوص كان لنازحي عفرين في المُخيمات بريف حلب الشّمالي، رأي شبه مماثل، إذ يقول جعفر سليمان (58 عاماً) والذي ينحدر من حي الأشرفية بعفرين ويسكن بمخيم سردم جنوبي قرية تل سوسين، إنّ “تركيا تريد خلق الفتنة بيننا عبر قرارها الأخير”.

وتضُم مخيمات نازحي عفرين الخمسة بريف حلب الشّمالي ما يقارب الـ1870 عائلة، فضلاً عن 16 ألف عائلة تسكن 42 قرية في ريف حلب الشمالي، بحسب إحصائية لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في إقليم عفرين والعاملة حالياً بريف حلب الشمالي.
وتتجلى على الخمسيني إمارات الاستياء وهو يشير إلى أنّ ما تفعله تركيا كله لضم مناطقهم إلى أراضيها، آملاً أنّ تتدخل روسيا وأميركا لوقف تنفيذ هذا المشروع.
وإعادة حوالي مليون لاجئ إلى سوريا، ما هو إلا مجرد “خدعة”، من وجهة نظر فاضل أوسو (45 عاماً) النّازح من قرية قورت قولاق التّابعة لناحية شران بريف عفرين.