بعد أيام من تطبيق قانون "قيصر".. اجتماع روسي مع معاذ الخطيب في قطر

اسطنبول ـ موسكو ـ نورث برس

 

طرحت الزيارة التي أجراها نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" إلى العاصمة القطرية الدوحة، واجتماعه برئيس "الائتلاف السوري" الأسبق معاذ الخطيب، العديد من التساؤلات خاصة بالنسبة لتوقيتها والهدف منها وعلاقة قانون العقوبات الأمريكية "قيصر" بها.

 

وفي 23 حزيران/ يونيو الجاري، قالت الخارجية الروسية في بيان مقتضب على حسابها في "تويتر"، إنه تم عقد لقاء مع رئيس "الائتلاف السوري" الأسبق معاذ الخطيب، وأن النقاش دار حول تبادل الآراء حول الأوضاع في سوريا مع التركيز على آفاق التسوية للأزمة السياسية انطلاقاً من القرار (2254).

 

وفي هذا الصدد قال المختص بالشأن الروسي المحلل السياسي سامر إلياس، لـ "نورث برس"، إن "اللقاء حصل أثناء زيارة الممثل الخاص للرئيس بوتين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالنسبة لاختيار قطر فإن بوغدانوف كان في زيارة رسمية إلى قطر التقى إضافة لمعاذ الخطيب بشكل منفصل مع قادة حركة حماس في إطار المشاورات التي تجريها روسيا مع القوى السياسية التي تربطها بها علاقات في منطقة الشرق الأوسط".

 

وأشار "إلياس" إلى أن "بوغدانوف يعمد ويلتقي دائماً كثيراً من ممثلي المعارضة السورية وممثلي النظام السوري، وأجرى آلاف اللقاءات معهم منذ العام 2011  وحتى الآن".

 

حل يناسبها

 

ويرى مراقبون أن روسيا تسعى بكل جهدها لحلٍ يناسبها ويضمن مصالحها قبل نهاية العام وقبل وصول إدارة أمريكية جديدة، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه فالخاسر الأكبر اقتصادياً هم الروس بالدرجة الأولى.

 

وقال "إلياس" إن "روسيا اليوم تكثف جهودها بشكل كبير من أجل تسوية سياسية في سوريا وتريد تسويةً مفصَّلةً على مقاسها الخاص ولا تريد تنفيذاً مباشراً وحرفياً للقرار (2254)، بل تريد الالتفاف عليه وربما عبر تشكيل حكومة يكون فيها أعضاء من المعارضة السورية والنظام السوري معاً وضمن إصلاحات محدودة في الأجهزة الأمنية والجيش".

 

وألمح إلى أنه "ربما ناقشت روسيا هذا الأمر مع الخطيب كونه من الشخصيات الوسطية التي لم يسجل لها حدة كبيرة في المواقف السياسية واللجوء إلى موضوع العسكرة بشكل كبير، وهو من الشخصيات التي ترغب موسكو دائماً في فتح حوار معها".

 

وزار الخطيب موسكو أكثر من مرة وتباحث مع وزارة الخارجية حول عدد من المبادرات والمقترحات، "لكنها لم تر النور ولم يتم تطبيقها نظراً لتعنت النظام السوري"، بحسب "إلياس".

 

ويؤكد مهتمون بالملف السوري أن أي حل في سوريا يجب أن يكون ضمن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأن أي اتفاق سلام لا يحظى بتأييد دولي وإقليمي شامل هو مضيعة للوقت ومد للصراع القائم، لافتين إلى أنه من حق أي مجموعة، العمل السياسي وإجراء حوارات ولقاءات "فهذه وظيفة السياسيين وهذا عملهم، لكن الحل مكانه جنيف وشرعية جنيف وبدون هذه المحاذير لا يمكن الوثوق بالروس ولا وعودهم".

 

وأضاف "إلياس" أنه "لا أعتقد أن الخطيب يمكن أن يذهب إلى خيارات مجزوئة لتنفيذ القرار (2254)، و إعطاء دفعة للنظام والروس بأن عملية التسوية السياسية جارية وتتواصل عبر تقديم بعض التنازلات والإصلاحات التجميلية لشكل النظام حتى يتم رفع بعض من العقوبات المفروضة بموجب قيصر".

 

تكثيف اللقاءات بالمعارضة

 

وتابع "لذلك الحالة العامة هي أن روسيا ستكثف في الفترة المقبلة لقاءاتها مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي يخفف من تأثيرات قيصر على النظام وربما تطلق أكثر من مبادرة قريباً للتسوية السياسية، خاصة أن (قيصر) يحرمها من إمكانية التوصل لصياغة حل سياسي على مقاسها ويحرمها من جني ثمار سياسية واقتصادية كبيرة من تدخلها العسكري عبر التحكم بإعادة الإعمار وإعادة بناء الاقتصاد والاستئثار بثروات سوريا وبالقرار في سوريا".

 

ورأى أن "روسيا اليوم وبعد دخول قيصر حيز التنفيذ في وضع محرج وستلجأ إلى إطلاق مبادرات جديدة من أجل إيجاد مخرج للتسوية السياسية إذا أرادت أولاً تثمير إنجازاتها السياسية العسكرية لصالح النظام سياسياً واقتصادياً في المستقبل، وثانياً إذا أرادات عدم الغوص في مستنقع جديد يشبه مستنقع أفغانستان لأن الأطراف الأخرى يمكن أن تورطها في هذا الموضوع، ولأن الأوضاع الاقتصادية غير المواتية في سوريا يمكن أن تقلب الموازين في أي لحظة".

 

تسريبات حول اللقاء

 

ونقلت بعض المصادر الحقوقية عن مصار مطلعة تسريبات حول ما دار بين الروس ومعاذ الخطيب، حيث "طرح الروس رئاسة حكومة وحدة وطنية واسعة الصلاحيات (وليست كاملة)، مع بقاء بشار الأسد في الرئاسة وحق ترشيح نفسه للرئاسة لمرة واحدة فقط، كما تمسك الروس ببقاء الأجهزة الأمنية".

 

وتابعت أن "رد الشيخ معاذ وفريقه حول تفاصيل هذه العملية، لم يوافق على الطرح الروسي بصيغته المقدمة، وبدوره قدم ملاحظات وطلبات لتدرس من الجانب الروسي، ويترك الرد والتوضيح عن هذه التفاصيل للشيخ معاذ وفريقه إن ارتأوا ذلك".

 

وأضافت أنه "في اليوم الأول جرى اللقاء في فندق بالدوحة، واليوم الثاني رفض الفندق تجديد حجز القاعة وجرى اللقاء في منزل الشيخ معاذ، وهذا ربما يفسر عن عدم رضاً قطري عن هذا اللقاء تجنباً لإغضاب الولايات المتحدة الأمريكية".

 

وأشارت إلى أن "الخارجية القطرية منحت غطاء للاجتماع، أي حصول الاجتماع بمبنى الخارجية القطرية، واللقاءات حملت طابعاً تفاوضياً أكثر منه حواري ومن المتوقع استكماله بلقاء جديد إذا وافقت روسيا على طلبات الخطيب وكانت جادة في مبادرتها".

 

تداعيات "قيصر"

 

وتعليقاً على ذلك قال المحلل السياسي السوري "عبد الرزاق الحسين" لـ "نورث برس"، إن "الأمر ربما متعلق بتداعيات بقانون (قيصر) وتأثيره المحلي والعالمي على أفراد النظام وشخصياته، ولو شكلياً، يعني بدقة جمود وتجمد نشاط النظام حيث لا حراك ولا تفاعل".

 

وأضاف أن "الروس هنا يحتالون على جنيف في محاولة الإبقاء على النظام الذي (تريد أمريكا) تغيير سلوكه في مسائل متعددة فقط  كما صُرِّح مؤخراً".

 

لماذا قطر؟

 

وفي رد على سؤال لماذا قطر ولماذا معاذ الخطيب قال، إن "قطر تحقق على أرضها توازن القوى الفاعلة بالشأن السوري ضمن التوجه والقرار الأمريكي لأسباب أساسية ورمزية، فهي تحتوي سفارة المعارضة السورية ولو رمزياً، وبنفس الوقت تواجد إيراني وتفاهم سياسي مع إيران في الشأن السوري، وحتى في الشأن الداخلي القطري، حماية من دول الجوار، كما أنها تحظى بتوافق وتناغم مع الترك".

 

وتابع "ويبقى السؤال لماذا معاذ ولما مشاركة المجلس الإسلامي السوري؟ في عمق المسألة نحن أمام أفراد ومؤسسة دينية تتخذ مواقف (وظيفية) متعلقة بها وليس بالوطن فما يهم المؤسسة الدينية الدمشقية أولاً، ومؤسساتها، الجمعيات الخيرية وأماكن تجاربها وصناعتها الموازية وشبكة علاقاتها التجارية".

 

وأضاف أن " الروس وضعوا القوة التنفيذية العسكرية والشرطية في سوريا، وهي قوة شيشانية مسلمة سنية صوفية تتوافق كثيراً مع مشيخة دمشق، وأظهرت الشكل السني الشيشاني في احتفالات السفارة الروسية في دمشق، وبنفس الوقت تنظم في الخارج لقاءات مع المعارضة المشيخية".

 

وقال أيضاً إن "معاذ يقدم النموذج الخدمي الوظيفي، فهو كما أوحي سابقاً منشق عن النظام (وهو انشقاق وظيفي)، وجميع مبادرات معاذ كانت في خدمة النظام بغض النظر عن المسحة الدينية، فمعاذ (وشمسه) التي ستشرق من موسكو جاءت مبكرة وهذا يعني إعداداً سابقاً وليس طارئ فالأمر متعلق بخمس سنوات مرت".

 

وختم بالقول إن "اللافت لهذا التقارب كان جلياً في لقاء أيمن سويد محكم القراءات العشر في القرآن، بعدة مواقف لم يتخذ المجلس الإسلامي السوري ولا التيار الديني أي ردة فعل حولها، فأيمن سويد يمثل رغبات المشيخة الدمشقية وهو مقيم في السعودية منذ /35/ سنة، فالموقف الأول كان في عام 2016 عندما وضع علم النظام على طاولة التحكيم في مسجد الفاتح بتركيا في مسابقة القراءة والتجويد وأزال علم الثورة دون أي اعتراض، والثاني لقاءه بوفد النظام السوري رسمياً في الشيشان، وقد حظي أيضاً برضا أسامة الرفاعي وكريم راجح (من مشايخ دمشق)، وغالباً تكون هذه الوجوه جسور عبور لإعادة الإنتاج مقابل ميزات دينية ومالية وخدماتية ثم تعاد مرحلة حكم الأسد بوجوه جديدة".

 

وأواخر العام 2014، كشف الخطيب عن زيارة أجراها إلى العاصمة الروسية موسكو التقى خلالها بوزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، دارت حول آفاق الحل السياسي وآليات الانتقال السياسي في سوريا، واستبق زيارته بمقال مطول على حسابه في (فيس بوك) تحت عنوان "هل ستشرق الشمس من موسكو؟".