انخفاض أسعار العقارات في سوريا بعد انفجار دام عقداً من الزمن
دمشق – نورث برس
يتوقع رياض أدهم (49 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب مكتب عقاري في مشروع دمر غرب دمشق، استمرار انخفاض أسعار العقارات في عموم المدينة في حال استمرت الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة السورية أكثر أمام الدولار.
ومابين أعوام 2011 و2021، شهدت دمشق كما باقي المناطق السورية، ارتفاعاً متفاوتاً في أسعار العقارات.
إلا أنها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، إلى نيسان/ أبريل الجاري، شهدت تراجعاً بنسبة 15%، بحسب وسائل إعلامية مقربة من الحكومة.
وعزا مدير مبيعات في شركة التسويق العقاري، عامر لبابيدي، في تصريح له لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، انخفاض أسعار العقارات إلى قلة الطلب وارتفاع الكتلة النقدية للشقق السكنية، وتعقيد إجراءات البيع والشراء، وإمكانية السحب النقدي من البنوك.
وأشارت الصحيفة في تقرير نشرته، الاثنين الماضي، نقلاً عن “لبابيدي” إلى أن سعر المتر الواحد في حيي كفرسوسة والمالكي، من 18 مليون ليرة إلى 15.300 مليون ليرة.
فيما انخفض سعر المتر في منطقة باب شرقي من 4.5 ملايين ليرة إلى 3.800 مليون ليرة، فيما تتراوح الأسعار بين 8-6 ملايين ليرة للمتر الواحد في أحياء التجارة والمزرعة والمهاجرين والشعلان والقصاع وشارع بغداد. بحسب الصحيفة.

“ضبابية وغموض”
وحول مستقبل العقارات، يقول “أدهم” لنورث برس، يرجّح صاحب المكتب العقاري استمرار تراجع الطلب على شراء العقارات مفسّرا ذلك بالانهيار الاقتصادي والأزمات التي تشهدها البلاد والعالم ككل، “ولكن رغم ذلك من الصعب التنبؤ بالأسعار، فالسوق يتسم بالضبابية والغموض”. حسب تعبيره.
ويشير “أدهم” إلى أن مندوبي المبيعات لم يعد يتلقون زيادة في الطلب على شراء العقارات كما كان عليه الحال سابقاً، لذا فهم مجبرون على مراجعة أسعار العقارات وتخفيضها لتشجيع المستثمرين والمشترين وتنشيط سوق العقارات مرة أخرى.
ويعيد صاحب المكتب العقاري قلة الطلب إلى تفاقم الوضع المعيشي لما يقارب 90% من السكان الذين عكفوا عن شراء العقارات والسيارات “وانشغلوا بلقمة العيش”.
أما بالنسبة لـ 10 بالمئة المتبقية، والتي لديها رصيد مالي جيد ومقبلة على شراء الشقق السكنية أو المحلات أو استثمارات عقارية أخرى، فإنهم يستمرون في الاحتفاظ بالمال في جيوبهم بانتظار المزيد من الانخفاض في سعر المتر المربع للعقار، بحسب “أدهم”.
وحالياً، يشهد سوق العقارات في دمشق حالة ركود شبه تام، ويرى صاحب المكتب العقاري أن الشروع في مشاريع مبتكرة للسكن وتنويع أشكال الإسكان وتعزيز القطاع الاقتصادي، يعد “الحل الأمثل” لإعادة تنشيط السوق.
ومع بدء الحرب السورية، بدأت سوق العقارات ينشط في البلاد، كسوق صرف لغسيل أموال من مداخيل غير مشروعة مثل الإتجار بالعملات المزورة أو المجمدة، بالإضافة إلى إقبال الإيرانيين اللبنانيين والعراقيين والروس على شراء العقارات وفقا لما ذكره “أدهم” لنورث برس.
“قدرة شرائية محدودة”
ورغم انخفاض السعر، لم يجد رياض محمد (44 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان دمشق، إلا اللجوء إلى بيع قطعة أرض كان قد ورثها من والده، لإتمام المبلغ المطلوب لشراء منزل في عشوائية وادي المشاريع غرب دمشق.
وكان بحوزة الرجل، 20 مليون ليرة سورية لكنه احتاج لعشرين أخرى لإتمام عملية الشراء، ما أجبره على بيع قطعة أرض زراعية كان يسترزق منها طوال الأعوام الماضية، بعد إصرار زوجته وأولاده الخمسة لشراء منزل، بهدف التخلص من عبء دفع مئة ألف ليرة, البدل الشهري للبيت الذي كان يستأجره.
يقول “محمد” الذي يعمل كخياط في منطقة وادي المشاريع، “عشرون عاماً من العمل المتواصل لم أتمكن من شراء منزل في منطقة مخلفات، لذا اضطررت إلى بيع قطعة أرض كنت أملكها في ريف القامشلي”.
ويضيف: “طوال عمري حلمت بأن أمتلك منزلاً، وفي عام 2011، كنت على وشك الشراء، حيث كان سعر المنزل في العشوائيات لا يتجاوز الـ 600 ألف ليرة سورية آنذاك، ولكن الحرب أطاحت بكل شيء، ومنها أسعار العقارات”.
وقبل الحرب، كانت أسعار العقارات في المناطق العشوائية بدمشق تتراوح بين خمسمئة وستمائة ألف ليرة سورية فقط.

ولكن اليوم تتراوح بين 25 و50 مليوناً، رغم افتقادها للمواصفات والمقاييس الهندسية المطلوبة وقلة جودة المواد الداخلة في بنائها، بحسب “محمد”.
وتتسع الفجوة بين ما هو متاح في السوق السوري وما يمكن للسوريين من أصحاب الدخل المحدود توفيره، ليبقى ذلك ملايين الأشخاص ولا سيما الشباب عاجزين عن شراء منزل يؤويهم.
ويختم “محمد” حديثه لنورث برس بالقول، “شراء هذا المنزل الذي لا تتجاوز مساحته 115 متراً مربعاً، سيكون على حساب الكثير من متطلباتنا اليومية التي سوف تغيب عن مائدة الطعام وحقائب الأطفال”.