المسحراتي.. طقس رمضاني يقاوم الاندثار في حلب
حلب – نورث برس
يخرج إبراهيم شوا (55 عاماً) وهو من سكان حي الأصيلة في حلب القديمة، منذ بداية شهر رمضان من منزله قبل آذان صلاة الفجر بساعة ونصف تقريباً، وهو يحمل سلة معلقة على ساعد يده وبين يديه طبلة صغيرة يطرق عليها مع ترديد الأناشيد الرمضانية لإيقاظ السكان لتناول وجبة السحور.
وفي حلب وخاصة القديمة منها، مازال صوت المسحراتي وطبلته الصغيرة يدويان في الحارات والأزقة، على الرغم من أن سنوات الحرب الطويلة قلصت عدد العاملين في هذا الطقس.
ويقول الرجل الخمسيني، إن العائلات في الأحياء القديمة ما زالت ترحب بالمسحراتي، عكس الجيل الجديد الذي يرفضها تماماً، في إشارة منه إلى الفئة الشابة من السكان.
ولا يمكن لأي شخص أن يعمل مسحراً، فهناك شروط يجب التقيد بها وخاصة عدم إزعاج سكان الحي وأن يكون محبوباً بين الأهالي ويملك صوتاً ناعماً وجميلاً وأن يراعي البيت الذي فيه مريض والبيت الذي لا يملك قوة يومه، بحسب “شوا”.
ويعود تاريخ عمل المسحراتي إلى بداية ظهور فرض الصيام في دين الإسلام وأول من عمل به الصحابي بلال الحبشي بعدما كان أول مؤذن في الإسلام.
ويعود المسحراتي “شوا” بذاكرته إلى سنوات الحرب التي أطفأت، على حد قوله، روعة وجود المسحراتي في ليالي سنوات رمضان الماضية، وخاصة أنه اضطر في رمضان 2012 للنزوح من منزله.
ويرى أنه مع استمرار الحرب لأكثر من 11 سنة، “لم يعد لوجود المسحراتي وقع في حياة الناس، حتى الذين يعشقون هذه الطقوس”.

شغف قديم
“يا نايم وحد الدايم، وعفراشك لا تضل نايم، يالله قوم وحد الحي القيوم، يا سامعين الصوت صلوا عالنبي صلوا أبرك الليالي وأسعده، عالمنازل والسكان، صلوا عالنبي العدنان، المظلل بالغمام، حياكم الله لكل عام يانايم وحد الدايم يالله قوموا على سحوركن اجا المسحراتي يزوركن”.
تلك الكلمات هي أبزر ما يردده المسحراتي أثناء تجوله بين الحارات والأزقة، يرافقها الضرب على الطبلة لإصدار صوت.
ومنذ الطفولة شغف “شوا” في المسير خلف والده وترديد ما يقول وفي بعض الأوقات يخرج مع إخوته الأربعة، يشكلون جوقة حول والدهم في إنشاد كلمات المسحراتي لإيقاظ النائمين.
وبالرغم من محاولات أبيه نشر ثقافة الماضي من الطقوس الرمضانية، إلا أن معظم إخوته الآن يرفضون العمل بها، وفقاً لما يذكره “شوا” لنورث برس.
وتتألف أدوات المسحراتي القديمة من طبلة صغيرة مغلقة بقطعة جلد ويضرب عليها بقطعة النايلون تصدر صوتاً.
واختلف الآن الموقف بحسب المكان والأحياء التي شيد بها الأبنية العالية، حيث لم تعد تفيد هذه الطبلة لصغر حجمها ووسع المكان، مما دفع بعض الذين يعملون في هذا الطقس إلى استخدام آلات أخرى.
منهم من يستخدم الطبل الكبير في المناطق التي تحتاج إلى صوت أكبر، وبعض الأحياء تستعمل الزهر، ومنهم الطبلة الصغيرة.
طقس مهدد
ويعتبر المسحراتي طقس رمضاني مهم منذ القدم لعدم توفر التكنولوجيا، وكان سكان الأحياء ينامون بعد صلاة العشاء والخروج من المقاهي ويحتاجون إلى من يوقظها قبل صلاة الفجر لأجل السحور والصلاة.
ولكن مع تقدم التطور، أصبحت المنبهات في الأجهزة الخليوية تستخدم أكثر، ولم يعد الجيل الجديد يحب هذ الطقس، وأصبح البعض يعدّه مصدر إزعاج.
ولا ينكر الخمسيني الأيام الحلوة التي مر بها في قديم الزمان حتى قبل اندلاع الحرب في بلاده وهو يعيش مع سكان الحي أجمل ليالي رمضان التي اندثرت.

ويضيف المسحراتي الذي غزا الشيب شعره، “أنا اليوم لا أقوى على السير مثل الماضي والأزقة غير منارة وأخشى من عتمة الليل، لذلك أصبح يخرج عني ولدي في أغلب الأوقات”.
ويزيد على ذلك، “أنا سعيد لأني أعلم أنه سيبقى شيء علمني إياه والدي وأنا نقلته إلى ولدي”.
وفي حي البياضة بحلب القديمة، يقول مدحت قوجة (55 عاماً)، إن ذكريات شهر رمضان في الماضي لا يمكن دمجها أو مقارنتها مع هذه الأيام.
يضيف: “أحلى لحظات كنت أنتظرها هي دق باب البيت من المسحراتي كي أخرج إليه وبيدي قطعٌ من الصمون وأجعله يشاركني في السحور”.
ويزيد على ذلك: “هو يسعى للأجرة والثواب على ما يفعل في هذه الأيام الفضيلة، عكس ما نشاهده اليوم من قرع الطبول في الحارات وكأنها حفلة ضخمة وتحتاج إلى تجمع الناس حوله”.