قبيل قانون "قيصر".. روسيا تلمح بإمكانية الحوار مع واشنطن بشأن سوريا
نورث برس
ألمحت روسيا وقبيل أيام قليلة من بدء تطبيق قانون العقوبات الأمريكية "قيصر" إلى استعدادها للتحاور مع واشنطن بشأن سوريا، الأمر الذي رأى فيه مراقبون أنه مساعٍ روسية لمحاولة كسب مزيد من الوقت لتأخير تطبيق القانون، بعد أن استشعرت الجدية في التصريحات الأمريكية الأخيرة شديدة اللهجة ضد الحكومة السورية.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي "سيرغي ريابكوف"، إن "بلاده في حوار مكثف للغاية ومهني مع أمريكا من خلال القنوات العسكرية، ونعمل على حل النزاعات، وهذه تجربة جيدة".
وأضاف أنه "أمامنا في نهاية المطاف مسائل أكثر تعقيداً من إيجاد صيغة رسمية لتعاوننا مع الولايات المتحدة حول سوريا، وسنعمل ما في وسعنا لكي تفهم الولايات المتحدة فهماً صحيحاً طبيعة وأسباب خطواتنا".
ثغرات القانون
وحول تلك التلميحات الروسية والأجندة التي من الممكن أن تعمل روسيا عليها من أجل التخفيف من قانون "قيصر"، وما إذا كان من الممكن أن تضع روسيا ثقلها لكي تلغي تنفيذ القانون، وإمكانية قبولها بالشروط الأمريكية المتعلقة بالرؤية الأمريكية للحل السياسي في سوريا، قالت المحللة و الباحثة السياسية في العلاقات الأمريكية و الشرق الأوسط "روان الرجولة" إن "روسيا وحتى قبل الاعلان الرسمي بيوم عن توقيع قانون (قيصر) من قبل الرئيس ترامب، أرسلت وزير خارجيتها لافروف للتواصل مع الإدارة الأمريكية حول الموضوع".
وأوضحت "الرجولة" أنه وبحسب الحديث مع مطلعين رسميين على الملف السوري، "فإن الثغرات الموجودة الآن في قانون (قيصر) والذي هو جزء من حزمة قرارات مرتبطة بالميزانية الأمريكية، تعطي الرئيس الصلاحية لتعديل أو توقيف تطبيق القانون بحسب ما يرتأيه من تطور في الملف السياسي".
وفي 9 حزيران/ يونيو الجاري، أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، أن "الأسد لا يزال يحظى بدعم واسع من موسكو وطهران، ونبذل جهوداً كبيرة للضغط على الثلاثة، ونحرص على تطبيق العقوبات الاقتصادية على النظام وداعميه وعلى الأنشطة التي تساعده على قمع شعبه، وعلى ألا يكون هناك تمويل لإعادة الإعمار".
سيف مسلَّط
وقالت "الرجولة" إن "قانون قيصر كما قانون محاسبة سوريا، هو نوع من السيف المسلط على حكومة دمشق وحلفائها، إلا أن روسيا ليست بموقع أن تتعرض للمزيد من العقوبات في سوريا، لذلك كان هناك سعي محموم بين موسكو ودمشق لاتخاذ الخطوات اللازمة التي تظهر بأن روسيا تمسك في زمام الأمور في سوريا، وأن لها الكلمة العليا، وهذا ما رأيناه مؤخراً من انتقاد لوسائل شبه رسمية للفساد في سوريا والخلاف بين رامي مخلوف والرئيس السوري بشار الأسد".
وأشارت إلى أنه "بالمقابل زادت روسيا من استثماراتها في سوريا، من خلال وضع يدها على أراضٍ جديدة في الساحل السوري بالإضافة إلى مشاريع في شمال شرقي سوريا".
واستبعدت "الرجولة" أن "تغير روسيا من رؤيتها الاستراتيجية للحل في سوريا والذي على الأغلب اتفق عليه الرئيسان الروسي والأمريكي في قمة هلسنكي 2018 ( أكد خلالها ترامب أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا كانت في أسوأ حالاتها قبل اليوم لكنها تحسنت بفضل هذه القمة)، ومن المؤكد أن روسيا ستتواصل مع واشنطن فيما يخص الملف في شمال شرقي سوريا".
وكان "جيفري" أكد مؤخراً أن "إدارة الرئيس دونالد ترامب تسعى لتغيير دراماتيكي في سلوك النظام، بحيث لا يجعل من البلد معبراً للميليشيات الإيرانية وتهديد دول الجوار، لذا يجب إخراج القوات الإيرانية من سوريا فهذا مهم لأمن سوريا وشعبها وأيضاً لدول المنطقة".
تطبيق (2254)
وقالت "الرجولة" إنه فيما يتعلق بالحل السوري "فالكل يتحدث عن تطبيق (2254)، الذي لا يقول صراحة بإزالة الأسد وإنما يتحدث عن عملية انتقال سياسي بالتزامن مع حديث روسيا عن انتخابات برلمانية ورئاسية وأن الشعب السوري عليه أن يقرر مصيره، لذا فإن مصالح أمريكا في سوريا تتعلق بإبعاد إيران عن حدود إسرائيل واحتواء نفوذها في سوريا".
وبالعودة إلى التصريحات الروسية ورغبتها بالحوار مع واشنطن فقد أعلن "ريابكوف" أن "بلاده مستعدة أيضاً لتوسيع آليات الحوار مع الولايات المتحدة إذا أبدت واشنطن رغبتها في ذلك وردت بالمثل".
الإمكانية الوحيدة
وحول ذلك قال المختص بالشأن الروسي "سامر إلياس" لـ "نورث برس" إنه "بالنسبة لروسيا كانت تخشى أو تدرك تماماً أن الأوضاع المعيشية في سوريا تتطور بشكل سيء حتى قبل إقرار قانون قيصر.
والإمكانية الوحيدة المتوفرة عند الجانب الروسي هي "حشد أكبر إمكانية ممكنة من أجل الحد من تأثيرات هذا القانون عبر حشد مجموعة من القوى القريبة منها لمساعدة النظام السوري، أو عبر الضغط على النظام عملياً من أجل استثمار جميع الموارد الموجودة فيه من أجل الصمود لفترة معينة في وجه العقوبات الجديدة"، بحسب "إلياس".
وأضاف أنه "من الطبيعي أن يؤثر قانون قيصر على عمل الشركات الروسية وعلى عمل روسيا في سوريا ويحد من تأثيرها هناك، وحتى لو وضعت ثقلها فإنها غير قادرة على تعديل هذا الموضوع، خاصة وأن روسيا تخضع لمجموعة من العقوبات الكبيرة التي يحاول المشرعون الأمريكيون الآن في الكونغرس فرضها عليها بسبب دعم الإرهاب وبسبب قضايا قديمة، وهي من العام 2014 تخضع لعقوبات قوية، لم تستطع إبعادها عنها أو التخفيف من تأثيرها عبر التأثير على الجانب الأمريكي".
ويرى مراقبون أن روسيا لا يمكن أن تفكر بخسارة كل شيء مقابل الحكومة السورية ومطامعها في سوريا، وأنه مع قرب قانون "قيصر" فكل طرف لاعب على الأرض السورية سيبدأ بالتفكير في مصالحه وبطريقة للخروج من أي مأزق قد يقع فيه.
إمكانيات روسيا
وقال "إلياس" إن "إمكانيات روسيا في تخفيف هذه القيود أو فرض ضغوط على أمريكا، تعادل الحصيلة الصفرية عملياً ولا يمكنها تغيير ذلك إلا إذا أقنعت النظام السوري بضرورة وأهمية الحل السياسي".
وأضاف أن "روسيا تسعى منذ فترة طويلة للتفاهم مع أمريكا من أجل صيغة للحل السياسي، وربما هي تطلب ثمناً لهذا الحل السياسي نظراً لأنها تعتبر نفسها منتصرة عسكرياً في سوريا وترغب الآن في فرض شروطها في العملية السياسية بأكبر قدر ممكن".
انسحاب تكتيكي
ويرى مراقبون أيضاً أن موسكو ورغم أنها تمتلك قراراً ومكانةً قوية وسيطرة داخل سوريا، ولكن ذلك تم بغض الطرف الأمريكي، وعندما تبدأ أمريكا بقلب الطاولة حينها ستتخذ روسيا إجراءات الانسحاب التكتيكي من الملف السوري.
وأوضح "إلياس" أن "أمريكا ومنذ فترة طويلة أعلنت بكل وضوح أنها ليست مستعدة لدفع أي ثمن، وأن وقت التسوية السياسية للأزمة السورية لم يحن بشكل أساسي بعد، وهي أيضاً تسعى للضغط على النظام السوري من أجل الالتزام بحل سياسي معقول ومقبول، لكن يبدو أن الطرفين الروسي والأمريكي لم يتوصلا إلى تفاهمات معينة بهذا الموضوع".
وأشار إلى أن "من الطبيعي أن الجانب الروسي لن يقبل بالرؤية الأمريكية من دون ثمن كبير والمطلوب بشكل أو بآخر من النظام القيام ببعض الإصلاحات وهوما أعطت روسيا إشارات معينة حول ضرورة القيام بمحاربة الفساد وبالتحول من اقتصاد الحرب إلى الاقتصاد السلمي في المقالات الروسية التي نشرت في نيسان/ أبريل الماضي".
تغيير السلوك
وتحدثت روسيا من خلال تلك المقالات "عن فساد الأسد والطغمة الحاكمة الموجودة في سوريا وطالبتهم بتغيير سلوكهم بشكل أو بآخر من أجل حلحلة الأمور الاقتصادية في سوريا"، كونها تدرك أن حلفاء دمشق (روسيا، إيران والصين) غير قادرين على مساعدتها اقتصادياً خاصة في ظل كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، بحسب "إلياس".
وقال المختص بالشأن الروسي "سامر إلياس"، إن "الحل السياسي الآن يجب أن يتم بشكل أو بآخر كون روسيا ترغب بحل سياسي يستثمر انتصاراتها العسكرية، وأمريكا معها ورقة إعادة الإعمار وتأثير الاقتصاد، وكل منهما سيضغط من أجل تثبيت رؤيته على الأرض وفرض شروطه في هذه العملية".
وكان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، عيّن مؤخراً مبعوثاً خاصاً له في سوريا، الأمر الذي رأى فيه محللون أن ذلك سيكون له نتائج وتبعات سلبية على سوريا، مشيرين إلى أن بوتين "يهدف إلى تثبيت احتلاله لسوريا من خلال تعين ما أسموه (مندوباً سامياً) له في سوريا، كما حذروا من أن المرحلة القادمة في سوريا لن تكون كما قبلها.