درعا – نورث برس
يجد طارق الزعبي ( 12عاماً) وهو من سكان محافظة درعا، جنوبي سوريا، صعوبةً بالغة في الاندماج بمجتمعه المحليّ، جراء معاناته من متلازمة الداون التي فرضت نفسها عليه منذ أن رأى نور الحياة.
ورغم السعادة الكبيرة التي رافقت طارق عند التحاقه بالمدرسة في البداية، إلا أنه واجهَ تنمراً غير محدود من قبل أقرانه وأبناء جيله، ما انعكس على صحته النّفسيّة، في ظل ضعف قدرات والده المالية في إدخاله المعاهد الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
وفضلت عائلة الطفل إبعاده عن المدراس الحكومية في ظل عدم وجود مدارس خاصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما أدى لأن يكون أُميّاً لا يعرف القراءة والكتابة.
ويشير طارق، بالإيماءات إلى أنّ حلمه هو اللعب مع زملائه في المدرسة ولكنّهم يهربون منه دائماً.
وتقول والدة الطفل وهي في العقد الرابع من عمرها لنورث برس إن “أقرانه يرفضونه لأنّ شكله مختلف”.
وبحسرة وعمق واضحين، تقول الأم متأسفةً على حال طفلها، “لا يوجد في مجتمعاتنا ثقافة الاهتمام بالأطفال المصابين بمتلازمة داون ولا تقدم لهم الرعاية”.
وفي درعا، تتفاقم معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، جراء تدني الخدمات المقدمة لهم وغياب الرعاية اللّازمة من قبل المؤسسات الحكومية والمنظمات الإنسانية والقطاع الخاص، فضلاَ عن صعوبة اندماجهم في المجتمع.
ويكابد هؤلاء الأشخاص لمواجهة حياة باتت أصعب من قدراتهم، فمنهم من يعاني الإعاقة قبل الحرب، ومنهم من تسببت الحرب ببتر أطراف جسده، ليصبح بذلك عاجزاً عن الحركة كلياً أو جزئياً.
“محسوبيات”
لا يتعدى الدّعم الحكومي لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، سوى توظيف بعض المتعلمين منهم فقط وبأجورٍ رمزية لا تسد احتياجاتهم.
وفي دائرة حكومية بمدينة درعا، يعمل مروان الأحمد (40 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان المدينة، والذي يعاني من شللٍ في قدميه منذ الصغر أفقده القدرة على الحركة.
ولكن “الأحمد” يقول إن راتبه الشهري الذي لا يتحاوز المئة ألف ليرة لا يكفي عائلته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجته، في ظل غلاء أسعار كافة المواد الغذائية والاستهلاكية.
حلم الرجل الأربعيني بالحصول على كرسي كهربائي، لم يعد يفكر به، وأدويته الخاصة أصبح الحصول عليها من المستحيلات، “جل أحلامي اليوم هو إطعام أطفالي وعدم الشعور بالذنب تجاه تقصيري بحقهم”.
ويرى الأحمد” أن المحسوبيات والعلاقات الشّخصية تحرم بعض ذوي الاحتياجات الخاصة من الحصول على المساعدات الإنسانية وبعض الأجهزة الطبية المساعدة لهم.
ولا يريد يحيى الحريري (32 عاماً) وهو من سكان درعا أن يبقى عالة على أهله ويحاول إيجاد عمل مناسب لوضعه الصحي “ولكن دون جدوى”.
وقبل خمس سنوات، تعرض “الحريري” لإصابة خلال الحرب، ما أدى لفقدانه قدميه ويستخدم حالياً أطراًاف صناعية في المشي.
ويشير إلى غياب الرقابة الحكومية على المنظمات ومؤسسات القطاع الخاص وتقاعسها في توفير فرص العمل لهم.
انتهاكات حكومية
الوضع الخاصلخالد شهاب الذي يعيش الآن في لبنان وحصوله على بطاقة تسوية لم تحمه من الاعتقال على يد القوات الحكومية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وكان “شهاب” قد أصيب بشلل نصفي بعد تعرضه لإطلاق نار في أيار/ مايو عام 2012 من قبل حاجز عسكري تابع لقوات “النظام” المتمركزة على الأوتوستراد الدولي دمشق ـ درعا.
وحينها اخترقت رصاصة جسده وأصابت العمود الفقري، ما أدى إلى تلف في النخاع الشوكي أفقده الحركة في الأطراف السفلية بشكل كامل.
ولأجل استكمال علاجه، غادر “شهاب” درعا بمرافقة زوجته إلى الأردن في تموز/ يونيو عام 2012، “دخلت إلى عدة مشافٍ في الأردن إلا أن جميع الجهود لم تفلح في إعادة الحركة لقدمي”.
قرر الشاب العودة إلى سوريا بعدما تركته زوجته وذهب إلى السفارة السورية وعمل بطاقة تسوية لضمان عدم اعتقاله.
ولكن ” تعرضت للاعتقال من قبل مفرزة الأمن السياسي التابع للقوات الحكومية المتواجدة في معبر نصيب الحدودي عند عودتي إلى سوريا”.
ويشير إلى أنه تم تحويله إلى فرع الأمن السياسي في مدينة درعا وقضى ما يقارب عشرين يوما في الاعتقال وخضع للتحقيق أكثر من مرة قبل الإفراج عنه.
وبحسب “مكتب توثيق الشهداء” في درعا فإنه تم توثيق اختطاف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة على يد مجموعات عسكرية تابعة للقوات الحكومية وإعدامه ميدانياً العام الماضي.
بعد خروجه من الاعتقال قرر “شهاب” عدم البقاء في سوريا، حيث خرج منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، باتجاه لبنان آملاً في الوصول إلى أوروبا عبر برنامج التوطين الذي تنفذه المفوضية السامية للأمم المتحدة.