امرأة من كوباني .. أمٌ ثكلى وزوجة مفجوعة والمسبب “داعش”

كوباني- نورث برس

في منزل متواضع بحي شرقي مدينة كوباني، تعلق جميلة إبراهيم على أحد الجدران صورة لابنها الأصغر ولا تنفك تتمعن فيها، تحاول مواساة نفسها والتغلب على جراحها، إذ أن 120 امرأة أخرى ذقن ذات الألم ذلك اليوم، الذي بات ذكرى مؤلمة لديها.

وتقول الأم المفجوعة بينما لا تتمالك نفسها من البكاء، “ليته على قيد الحياة”.

العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، لم يكن يوماً عادياً لسكان شمال شرقي سوريا، فقد ضجت مدينة الحسكة خلال ساعات المساء بأصوات انفجارات بمحيط سجن الصناعة الذي يضم الآلاف من معتقلي “داعش”، الذين اعتقلتهم “قسد” خلال سنوات الحرب ضد التنظيم المتشدد.

حينها هاجمت خلايا نائمة للتنظيم، السجن في محاولة لتهريب السجناء، ليتمكن بعضهم من الفرار، بينما انتشر آخرون في الأحياء المحيطة بالسجن.

وعلى إثرها دارت اشتباكات قوية في تلك الأحياء، استمرت نحو عشرة أيام، إلى أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) وبدعم جوي من التحالف الدولي من السيطرة على الموقف.

ولكن السيطرة على السجن، كلفت المنطقة 121 شهيداً ما بين مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية وموظف وعامل في السجن، بينهم أربعة مدنيين، بحسب إحصائيات أعلنت عنها القيادة العامة لـ “قسد”.

وفي مقبرة دجلة بكوباني التي تضم الآلاف من جثامين شبان وشابات استشهدوا في معارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تجلس “إبراهيم” بجانب قبر ولدها وتنتحب على فراقه.

وتقول: “لم نعلم أن داعش سيلاحقنا كل هذه الفترة، كنا نعتقد أنه انتهى”.

“قطعوا رأسه”

كانت “إبراهيم” تنتظر كما اعتادت خلال سبعة أشهر مساء كل يوم الجمعة، أن يرن هاتفها وتجري اتصالاً مع ولدها الذي يؤدي خدمة واجب الدفاع الذاتي في سجن الصناعة بمدينة الحسكة.

ولكن الهاتف لم يرن ذلك اليوم لتعلم بعد أربعة عشر يوماً من الانتظار، أن جثمان ولدها وجثامين شهداء آخرين كانوا في طريقهم إلى كوباني.

تعجز الأم الثكلى أثناء حديثها لنورث برس، عن وصف اللحظة التي تلقت فيها خبر استشهاد ماهر، “إذ ليس هناك أشد إيلاماً على النفس من أن تتلقى نبأ وفاة فلذة كبدك”.

ماهر بوزان (19عاماً)، الشاب الذي كانت عائلته تخطط لإقامة حفلة كبيرة له بمناسبة إنهاء خدمته العسكرية وذلك بعد خمسة أشهر، وكانت الأم تسعى لتزويجه بعد إنهائه خدمته العسكرية وإقامة عرس كبير وسط المدينة.

ولكن عوضاً عن كل ذلك أقيمت له مراسم تشييع مع 11 شاباً آخر في مقبرة دجلة بكوباني.

كان ماهر وشبان آخرون، مسؤولين عن إعداد الطعام لمعتقلي “داعش” في السجن، ولكنه لم يكن يعلم كما عائلته، بأنه سيتم نحره بنفس الأداة التي كان يعد لهم الطعام فيها.

تصف الأم كيف رأت جثمان ابنها وهي تذرف الدموع، “في الساعة الثامنة صباحاً ذهبت إلى المستشفى ورأيت صفوف الشهداء ورأيت جثمان ابني وهو مذبوح، لم أستطع لمس وجهه، رأسه كان مقطوعاً”.

تلك المشاهد، لا تقوى الأم المفجوعة على نسيانها وتأبى ذاكرتها ذلك أيضاً، وتضيف: “لم يسلم أحد في كوباني من داعش”.

مخاوف مستمرة

وفي كوباني، عانى السكان من ويلات “داعش” الذي ارتكب مجازر بحقهم خلال سنوات مضت، فمعظم العائلات خسرت شخصاً أو أكثر على يد التنظيم.

ولإنقاذ نفسها من فظائع “داعش”، كانت عائلة “إبراهيم” قد لجأت عام 2014 إلى تركيا وذلك بعد أن شن التنظيم هجوماً برياً عنيفاً على كوباني بهدف السيطرة عليها.

حينها شهدت المدينة معارك عنيفة بين التنظيم ووحدات حماية الشعب، تدمرت على إثرها معظم البنى التحتية، ليتم في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2015، طرد التنظيم من المنطقة.

ولكن بعد أشهر، وبالتحديد في فجر الخامس والعشرين من حزيران/يونيو من ذات العام، دخل عناصر من “داعش” من الأراضي التركية إلى كوباني، متنكرين بزي وحدات حماية الشعب.

وأطلق المهاجمون النار بشكل مباشر على المدنيين، وقوى الأمن، وفقد نحو 253 شخصاً حياتهم، معظمهم أطفال ونساء، وفقاً لتقارير حقوقية، وتعرف الحادثة باسم “مجزرة حزيران”.

عادت عائلة “إبراهيم” بعد انتهاء كل تلك الأحداث إلى مسقط رأسها، ولكنها فُجعت مطلع العام 2016 بزوجها الذي  قضى بانفجار لغم من مخلفات التنظيم.

وبالعودة إلى مقبرة دجلة، تقضي الأم ساعات بجانب قبر ولدها عندما تزوره بين الحين والآخر ودائماً ما تبدأ بالبكاء حتى عودتها إلى المنزل.

تحاول “إبراهيم” وهي والدة لثلاثة شبان وأربع فتيات، التغلب على كل جراحها بالرغم من صعوبة تحقيق ذلك، ولكنها لا تخفي مخاوفها من ارتكاب “داعش” لمجازر أخرى بحقهم بالرغم من تواجد عناصره في السجون.

إعداد: فتاح عيسى- تحرير: سوزدار محمد