غصاتٌ كهلة.. آلام مسنات في إدلب تخترق خيام النّزوح

إدلب –  نورث برس

يلعب أطفالها حولها ويسألها زوجها إنّ كان الطعام نضج، هذا ما تتخيله خالدية الرّضوان (57 عاماً) وهي نازحة في مخيمات دير حسان شمالي إدلب، لحظة جلوسها أمام خيمتها، متحسرةً على أولادٍ شتتت الحرب شملهم، وزوج لقي مصرعه أواخر العام الفائت بوباء كورونا.

وتروي عينا الأرملة التي تزاحمت فيهما الدّموع مدى ألمها قبل أنّ ينطق لسانها لنورث برس بالقول: “بت وحيدة، لا يربطني بأولادي الأربعة إلا هاتفٌ محمول أسمع أصواتهم عبره بين الحين والآخر”.

وتعيش السّيدة التي تنحدر من بلدة حزارين جنوب إدلب في مخيم “الأرامل” شمال إدلب، ولم تتمكن من العودة إلى مسقط رأسها نتيجة وقوع البلدة على خطوط التّماس.

ومنذ أكثر من سبعِ سنواتٍ خلت، أجبر الخوف من الاعتقال والقتل، المسنة على إرسال ثلاثةٍ من أبنائها إلى أوروبا.

وأما ابنها الرّابع فخرج إلى تركيا منذ ثلاث سنوات للعمل، بعد أنّ تعذر عليه إيجاد فرصة هنا، كما تقول “خالدية” لنورث برس.

وتذكر الامرأة أنها شهدت على حملات الاعتقال العشوائية التي نفذتها قوات حكومة دمشق بحق الكثير من شبان منطقتها، واقتيادهم إما إلى مصير مجهول أو إلى الخدمة الإلزامية.

وفي أواخر 2019، انتقلت السيدة من منزلها إلى المخيم، بسبب التّصعيد العسكري والقصف العنيف، حسبما تقول.

وحاولت المرأةّ السّفر إلى تركيا لمرات عدة، لكن وقوعها بيد حرس الحدود وتعرضها لمضايقات نفسية، جعلها تعدِل عن الفكرة، وتعتاش بالـ100دولار أميركي التي يرسلها لها أبنائها.

وهي تتكأ على عكازها الذي تصفه بـ”الهرم” لتنهض بصعوبة، تضيف “خالدية”: “لم يعد لي في آخر العمر إلا خيمة قماشية تؤيني، وبعض الأمراض التي ترافقني كالضّغط والسّكري، التي أصبت بها من الحزن”.

بئس الوحدة

والآن تعتمد الأرملة على أولاد الجيران لشراء الاحتياجات المنزلية، وفي بعض المرات تضطر لقطع مسافات طويلة لجلبها بنفسها، واصفة حياتها بـ “البائسة”.

وبالتجاعيد التي ملأت معالم وجهها ويديها، كدليل على مرور السّنين على هذه المرأة، تتساءل عن سببٍ يبيح بُعد أولادها عنها، مضيفةً أنها “لم ترتكب أي جرم لتستحق ذلك”.

وتأمل السّيدة أنّ تكون قادرة على العودة لبلدتها ورؤية أولادها مجدداً قبل أنّ “ينقضي أجلها” على حد تعبيرها، لكنها فقدت الأمل منذ مدة.

ولم تتمكن نورث برس من الحصول على أي نسب أو أعداد موثقة عن المسنين الذين يسكنون في مخيمات إدلب، لكنهم جميعاً يعيشون ظروفاً متردية في ظل عدم توفر أبسط مقومات المعيشة، حسب مسنين في المخيمات.

ولا تقارن معاناة “خالدية” بفاطمة عربو (63 عاماً) وهي نازحة من معرة النّعمان إلى مخيم الصّمود بالقرب من بلدة أطمة الحدودية شمالي إدلب، والتي تتحمل مسؤولية أحفادها رغم أنها غير قادرة على العمل، بعد أن فجعت بأولادها الثّلاثة بظروف مختلفة.

وفي عام 2013، فقدت السّيدة ابنها الأكبر الذي كان يعمل بنقل البضائع في  حلب، وتقول لنورث برس “جاءني نبأ وفاته بعد اعتقاله بتهمة تمويل الإرهاب بأشهر في سجون الحكومة السّورية”. 

وبالنسبة لولديها الآخرين، أنهت قذيفة مدفعية حياتهما أثناء عبورهما من سوق المدينة في 2018، حسب قولها.

الأمر الذي دفعها في 2019 بالتزامن مع سيطرة القوات الحكومية على مدينتها، لتركها واللجوء “أنا الآن مسؤولة عن أحفادي الثّلاثة الذين تخلت عنهم أمهاتهم”.

وفي 2011، توفي زوج المرأة متأثراً بحادث سير، وتقول السّيدة إنها تعتمد على ما تقدمه المنظمات الإنسانية من سلال غذائية ومساعدات شهرية.

وعن مصير أحفادها في حال تعرضت لمكروه تقول لنورث برس: “لا سند أو معيل لهم ولا حتى أقارب سوى من جهة أمهاتهم، لذا فلا أعرف ما سيحل بهم”.

فشل الانتحار

وأحدث التّقديرات تشير إلى أنّ عدد المسنين في سوريا عموماً تجاوز 1.7 مليون، أي 7.2 بالمئة من عدد السّكان، ويتوقع أنّ يصل العدد لـ5.7 مليون نسمة عام 2050، حسب تقارير صحفية.

وعلى مكنة خياطتها تجلس نورية العدبة (48 عاماً) بالقرب من مدينة معرة مصيرين شمالي إدلب، وتقول لنورث برس إنها “فقدت ولديها الوحيدين بغارة جوية استهدفت منزلها منذ أربع سنوات”.

وتشير المرأة إلى أنه لا معيل لها، إذ أنّ زوجها توفي منذ عشر سنوات.

وبصوت متقطع تشرح لنورث برس، تفاصيل الحادثة، “كنت في السّوق أتبضع، وعندما عدت لمنزلي  وسط المدينة صدمت من هول المشهد”.

ففي الثامن من أيار/ مايو  201، قصفت طائرة حربية منزلها، “الدّخان كان يتصاعد من كل مكان، وأصوات سيارات الإسعاف وأنات المُصابين كانت تنخر في إذني”.

وللحظات تصمت “نورية” عن الكلام لتدخل في نوبة بكاءٍ هستيري، بهذه الحالة كذلك تلقت نبأ وفاة ابنيها في تلك الفترة.

ولكن الطّبيب النّفسي الذي شخص حالتها، نصحها بالبحث عن عمل أو مهنة تلهي نفسها بها، وبالفعل خضعت المرأة لإحدى دورات التّدريب المهني في محاولة للخروج من حالتها السّيئة.  

وتقول إنها تحصل الآن على 75 ليرة تركية، لقاء عملها، “آلة الخياطة رفيقة وحدتي تساعدني لأستمر بالعيش”.

إعداد: سعيد زينو . تحرير: آيْلا ريّان