مياه ممزوجة بالنّفط في ديرك ومعاناةٌ تطال السّكان والأحياء بـ 30 قرية

ديرك – نورث برس

لم يعد عبد الرّحمن عثمان، من قرية تل مشحن في ريف تل كوجر (اليعربية)، بشمال شرقي سوريا، قادراً على ري أرضه عن طريق البئر، وذلك لأنه يتغذى عن طريق نهر “وادي الأملاح” المملوء بالمشتقات النّفطية.

وتلوثت جميع الآبار التي تقع شرقي وغربي الوادي، وذلك بسبب تسرب المواد النفطية إلى جوفها، بعد أنّ ارتفعت نسبتها في النّهر عام 2016، بحسب سكان.

وفي وقت سابق، كان السّكان يزرعون القطن والقمح، ويعتمدون في ريها على مياه الآبار، حسب ما يقوله “عثمان” لنورث برس.

ويشير الرّجل إلى أنه كان يسقي حوالي 25 فداناً، إلا أنّ تلوث مياه البئر، دفعه للتوقف.   

وتتواصل بلدية الشّعب في تل كوجر مع مديرية حقول النّفط برميلان للحد من هذه الظّاهر، بحسب ما قالت لنورث برس.

“رائحةٌ كريهة”

ويقول عبد الواحد محمد صبيح، أحد سكان قرية الصّبيحية، وهي إحدى القرى المُتأثرة، إنّ النّهر يفيض كلما زادت نسبة هطول الأمطار، الأمر الذي يتسبب بـ”ضرر أراضينا الزّراعية”. 

وتدخل المياه إلى منازل السّكان كلما فاض النّهر، ونتيجة الرّوائح التي تصدر من المياه، زادت نسبة المصابين بالأمراض الصّدرية، وفقد الكثير من “الأطفال الرّضع حياتهم”، حسبما يقول الرّجل.

ويشير إلى أنّ سكان المنازل القريبة من الوادي “لا يستطيعون النّوم بسبب رائحة مشتقات النّفط التي تزداد عند هبوب الرّياح”. 

ومن جانبه يرى سعد عز الدّين حسو، وهو أخصائي أمراض صدرية، أنّ التّأثير الهائل للمواد النّفطية على البشر والأحياء الأخرى ظهر خلال السنوات العشرة الماضية بشكل واضح.

ويضيف: “زادت حالات وأعراض المُصابين بالأمراض التّنفسية التّحسسية كالرّبو والتّليف الرّئوي وغيرها، إضافة للإصابات بمرض سرطان الرّئة”.

ويضر تلوث النّهر بالنساء الحوامل، وهو سبب في تزايد حالات الإجهاض، ووجود حالات للتشوه، حسب نساء من القرى المُتضررة.   

ويرجح الأخصائي أنّ السّبب يرجع لاستخدام الحراقات، واصفاً ذلك بالطّريقة “البدائية”.

أراضٍ مُتضررة

ويقول “حسو” إنّ الحل يكمن بتركيب “مصافٍ” لتكرار ومعالجة النّفط بطرق صحيحة وعلى أسس علمية تخفف من آثار التّلوث.

ويؤثّر النهر على المحاصيل الصيفية كالقطن والبطيخ والخضار، كما يتسبب بتكاثر الحشرات والذباب، إذ يبدو للعيان تجمع التّرسبات النّفطية على جانبيه ولونها القاتم، الذي يبرز تلوث المياه.

وبدوره يشير نضال كحيل، الرّئيس المُشارك للجنة الزّراعة والثّروة الحيوانية في تل كوجر، إلى أنّ النّهر تسبب بتلف الأراضي الزّراعية في أكثر من 30 قرية.

وينبع النّهر من محطة تل عدس النّفطية القريبة من محيط حقول رميلان، ويصبّ في أحد فروع الخابور ليقطع مسافة ما يقارب 60 كم، حسب تقرير مُصور لنورث بلاس.

ونظراً لقلة الأمطار في السّنوات الماضية، يقول الرّئيس المُشارك، إنّ النّهر لم يفض منذ سنتين، “هذا خفف الضّرر عن الأراضي الزّراعية”.

وتضرر ما يعادل أكثر من 300 هكتار من أراضي المزّارعين، حسب شكاويهم.

ويطالب السّكان الإدارة الذّاتية، بإيجاد حل لمشكلة النّهر المُستمرة منذ سنوات عديدة.

“دون جدوى”

ويرجح “كحيل” أنّ الحل يكمن في “وجود قنوات نظامية أعمق للصرف وأحواض تمنع تسرب المواد السّامة، كون الأحواض المعتمدة الآن مصنوعة من التّراب الذي يُسرب”، وهو ما نفذت الجهات المعنية جزءاً منه.

وبين الحين والآخر، تعبر صهاريج النفط الخام من محطة تل عدس إلى حراقات يدوية في محيط القرى المجاورة، يتم فيها تحويل النفط الخام إلى بنزين وكاز ومازوت، حسب مصادر مطلعة.

ومن جانبه يقول خالص العثمان، من قرية تل مشحن، إنه غير قادر على حصاد المحصول، بسبب تلوثه بالمواد النّفطية، “حتى البذار بات غير صالح”.

ويعود رعاة الأغنام من قرب النَّهر في المساء، لأنه لا مصدر آخر للمياه، غير الصّهاريج التي لا تتوفر غالباً، لينظفوا مواشيهم التي اتشحت بالسّواد، إذ أنّ العديد منها يموت بعد شربه من مياه النّهر، وهو أمر يتذمر منه المربون. 

وقدم السّكان عدداً من الشّكاوى لحل هذه المُشكلة، لكن “من دون جدوى”، حسب ما يقول “العثمان”.

إعداد: دلال علي ـ تحرير: آيلا ريان