إدلب – نورث برس
يبحث محمد الطالب (54 عاماً) وهو والد الناشط الإعلامي خزاعي الطالب المعتقل لدى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في مخافر الهيئة عن مكان ابنه الذي لا يعرف مصيره وتهمته حتى الآن.
واعتقلت “تحرير الشام”، خزاعي، في الثاني من هذا الشهر، دون توضيح التهم الموجهة إليه، ويعد الاعتقال الثالث الذي يتعرض له الناشط خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويصف الوالد عملية اعتقال ابنه بـ”غير القانونية” وذلك لعدم وجود مذكرة إحضار صادرة من محاكم “تحرير الشام” بحقه، كما عدها عملية “خطف وهي جريمة يحاسب عليها القانون”، بحسب قوله.

وفي إدلب، صعدت “تحرير الشام” في الآونة الأخيرة من وتيرة الاعتقالات التي تستهدف ناشطين وصحفيين ومدنيين بطرق يصفها البعض بـ”التشبيحية”، دون توضيح تهم وأسباب الاعتقال والكشف عن مكان المعتقلين.
وتورد العديد من التقارير الصادرة عن منظمات وهيئات دولية ومحلية، قيام الهيئة باعتقال الناشطين والإعلاميين والسكان المناهضين لها، أو المنتقدين لسياستها ولسياسة حكومة الإنقاذ التابعة لها.
وتسيطر الهيئة على معظم إدلب وأجزاء من أرياف حماة واللاذقية، بعد طرد باقي فصائل المعارضة السورية قبل نحو ثلاثة أعوام.
وتواصل تحرير الشام التضييق على السكان في مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا، من خلال عمليات تهديد واعتقال وترهيب بقوة السلاح، ويستنتج البعض من تلك الممارسات بأن “النظام والهيئة وجهان لعملة واحدة”.
“انتهاج أسلوب العصابات”
وفي الثامن من هذا الشهر، اعتقل جهاز الأمن العام التابع للهيئة، الناشط محمد الصبيح، على أحد الحواجز أثناء عمله في مدينة سرمدا شمال إدلب.
وقالت مصادر محلية لنورث برس، حينها، إن الأجهزة الأمنية داهمت منزل الناشط بعد ساعات من اعتقاله، لتعتقل زوجته ثم تعاود إطلاق سراحها في ذات اليوم، وذلك بعد مصادرة جميع معداته الإعلامية وهاتفه المحمول.
ويقول سكان في إدلب إن عناصر الهيئة ينتهجون أسلوب العصابات في اعتقال السكان والصحفيين دون إظهار مذكرات اعتقال قانونية بحق المعتقلين ولا تخلو عملية الاعتقال من الضرب والشتائم.
ويشير هؤلاء إلى أن هذه الانتهاكات المستمرة سببت حالة هلع ورعب بين سكان المنطقة، بعد أن بات “الداخل إلى سجونها مفقود والخارج منها مولود”، على حد وصفهم.
وخلال الشهرين الماضيين، وثق ناشطون حقوقيون في إدلب، اعتقال 13 شخصاً بينهم سكان وصحفيون على يد هيئة تحرير الشام، في حين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن.
وتحظر “تحرير الشام” أي محاولة لإنشاء أحزاب أو تجمعات مدنية أو شعبية أو نقابية، خشية ظهور آراء مخالفة أو مناوئة قد تؤثر على سلطتها الشمولية في المنطقة.
وتشدد الهيئة قبضتها على الأنشطة والفعاليات في المنطقة عبر عسكرييها وأمنييها وحكومتها “الإنقاذ”، فلا اجتماع ولا مؤتمر خارج سياق “الفكر الثوري” ودون موافقة “ممثلي الدين”.
دعوة للحراك
وبداية الشهر الجاري، اعتقلت الهيئة الناشط غياث باكير، من منزله في مدينة بنش شمال إدلب، على خلفية منشور له في فيسبوك، طالب فيه بفتح جبهات جديدة واسترجاع المناطق التي سيطرت عليها قوات الحكومة مؤخراً.
وقالت مصادر مقربة من عائلة المعتقل لنورث برس، إنهم لم يتلقوا أي خبر عن “باكير” منذ اعتقاله وحتى اللحظة.
في حين باءت جميع محاولات العائلة بالبحث عن مكان اعتقاله بالفشل بعد إنكار الهيئة اعتقاله، علماً أن الدورية التي اعتقلت “باكير” تابعة لجهاز الأمن العام المسؤول عن جميع حالات الاعتقال في إدلب، بحسب ذات المصادر.
وأشارت المصادر إلى أنه لم تكن هناك أي تهم أو دعوى قضائية بحق المعتقل، حيث تم اعتقاله بطريقة “تشبيحية” بعد اقتحام منزله في ساعات متأخرة من الليل وضربه ونعته بكلمات وألفاظ نابية.
وينحدر “باكير” من مدينة سراقب التي سيطرت عليها قوات حكومة دمشق، أواخر عام 2019 وكان يسكن في مدينة بنش شرق إدلب.
ويقول رشيد عثمان (28 عاماً) وهو اسم مستعار لناشط إعلامي في إدلب، إن تزايد حالات الاعتقال التعسفي لسكان وناشطين، “سياسة تتبعها الهيئة لإحكام القبضة على جميع المنتقدين لسياستها وترويعهم من الاعتقال”.
ويضيف أن ما يحصل لا يمت للقوانين والأنظمة بصلة، وإنما هو “رسائل توجه لجميع الناشطين والسكان بمصير من يعارضها، فهي سياسة واضحة تهدف لتكميم الأفواه وكبت الحريات”.
ويشير “عثمان” إلى ضرورة التحرك الشعبي من خلال احتجاجات مستمرة لإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي من سجون الهيئة.