أوضاع مأساوية يعيشها سكان منازل ومحال مدمرة في الحسكة
الحسكة – نورث برس
تجلس المسنة جميلة السالم (80 عاماً) على أنقاض ركام وتنظر إلى ما آل إليه حال منزلها الذي لم يبقَ منه سوى غرفة واحدة، وتقول، “ذهب شقاء عمرنا”.
تعيش “السالم” حالياً مع ابنتها من ذوي الاحتياجات الخاصة وعائلة ابنها التي تضم زوجته وأطفاله الثلاثة في تلك الغرفة بدون أي مستلزمات، بعدما بات معظم أثاث منزلهم تحت الركام، بينما انتقل زوجها المسن 90 عاماً إلى منزل ابنه الآخر بسبب ضيق مساحة الغرفة.
كان منزل المسنة يتألف من ثلاث غرف قبل أحداث سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة، لكن الاشتباكات التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تحصنوا فيه، قضمت من المنزل غرفتان وحولتهما إلى ركام.
كمعظم سكان حي غويران، اضطرت عائلة “السالم” للخروج من منزلهم والتوجه لمنزل أحد أقاربهم على خلفية أحداث سجن الصناعة التي بدأت في العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي.
وحينها هاجمت خلايا نائمة للتنظيم سجن الصناعة والذي يضم الآلاف من معتقلي “داعش”، الذين اعتقلتهم “قسد” خلال سنوات الحرب ضد التنظيم المتشدد.
وتزامن الهجوم مع ثلاثة انفجارات في محاولة لتهريب السجناء، ليتمكن بعضهم من الفرار، بينما انتشر آخرون في الأحياء المحيطة بالسجن.

وعلى إثرها دارت اشتباكات قوية في تلك الأحياء، استمرت نحو عشرة أيام، إلى أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) وبدعم جوي من التحالف الدولي من السيطرة على الموقف.
لا مساعدات
أحداث السجن التي استمرت نحو عشرة أيام، تسببت بنزوح جماعي لسكان الأحياء المجاورة وتدمير عشرات المنازل والمحلات، إلى جانب تدمير مؤسسات خدمية وأفران وصوامع حبوب وكليات جامعة الفرات وكراج غويران.
وتشير “السالم”، بينما كانت تنقل أحجار الغرف المدمرة إلى زاوية في ساحة المنزل، إلى أنهم لا يملكون الإمكانات المالية لإعادة بناء غرفة واحدة.
ولا يقوى زوج المسنة على العمل بسبب وضعه الصحي، فيما فقد ابنها مصدر قوته بعدما منعت الإدارة الذاتية الدرجات النارية في الحسكة منذ عدة أشهر.
وانتقدت المسنة، الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، لعدم تقديم أي مساعدة لهم، وتضيف بلهجتها المحلية، “ما شفنا شي من حدا، ما ذنبنا لنبقى بلا منزل؟”.
لم تكن “السالم” الوحيدة التي بقيت بلا مأوى، فوفقاً لتقديرات سكان، فقد تضرر وتدمر ستون منزلاً وحياً تجارياً في حي غويران بسبب أحداث السجن.
ولم تؤكد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حتى الآن، فيما إذا كانت ستعوض المتضررين أم لا ولم تعلن أيضاً عن نيتها لتعويض الخسائر بشكل كامل أو جزئي.
وفي ذات الحي الذي تسكنه “السالم”، لا يبدو حال بسيمة العويد (45 عاماً) أفضل حالاً، إذ اضطرت للمكوث في غرفة ملاصقة لمنزلها المدمر بعدما تبرع بها صاحبها ريثما تنفرج أوضاعهم.
وتمنت السيدة لو أن غرفةً من منزلها نجت من الدمار لتسكن فيها برفقة أولادها وخاصة أنها وصفت المكان الذي تعيش به الآن بـ”الخرابة”.
تقول السيدة الأربعينية بينما يقف أولادها بجانبها، “عدت بعد 25 يوماً إلى منزلي ولم أجد سوى الحجر والتراب”.
لا إمكانات مالية
لا تملك “العويد” هي الأخرى مالاً لتعيد منزلها إلى ما كان عليه سابقاً وخاصة أن زوجها وافته المنية قبل ثلاث سنوات وهي المعيلة الوحيدة لأطفالها الخمسة، يبلغ عمر أكبرهم 13 عاماً.
تضيف “العواد” التي تعمل حالياً في سوق للخضراوات في الحسكة لإعالة أطفالها، “ليس لدي معيل، نعيش على ما يتصدق به علينا أهل الخير، لكن دمار المنزل فاقم من معاناتنا، ليس لدي أغطية لتدفئة أطفالي”.
تشدد السيدة الأربعينية على ضرورة تعويضهم، “نريد منهم أن يعيدوا لنا منزلنا كما كان، لا نريد شيئاً آخر، نريد منزلنا ومستلزماته”.
وبداية هذا الشهر، قال خبات سليمان الرئيس المشارك لمجلس مقاطعة الحسكة، إنهم شكلوا لجنة لتقييم وإحصاء الأضرار التي لحقت بممتلكات السكان في الأحياء المحيطة بسجن الصناعة في الحسكة.

وبعد الانتهاء من الإحصاء والتقييم، سيتم مناقشة الإدارة الذاتية فيما يخص المرحلة الثانية، وإرسال نسخة من التقرير والمقترحات إلى قوات سوريا الديمقراطية، بحسب “سليمان”.
ولم يكشف الرئيس المشارك لمجلس المقاطعة، حينها، عن الإجراءات التي ستتبعها اللجنة والإدارة الذاتية لمساعدة المتضررين وسبيل تعويضهم.
وبالعودة إلى ذات الحي، تقف ملكة عبدالله (43 عاماً) أمام محلها المحترق، وتقول بلهجتها المحلية، “ضاع تعب عمرنا”.
تضرر منزل “عبد الله” بشكل جزئي، ولكن المحل الذي كان خاصاً ببيع المواد الغذائية احترق بالكامل مع جميع محتوياته.
وتتألف عائلة “عبد الله” من ثمانية أفراد ويعمل زوجها في بيع الخضراوات، بينما كانت هي تساعده في المصاريف من خلال بيع المواد الغذائية في المحل الذي يجاور منزلهم.
تضيف: “كان المحل مصدر رزقنا الأساسي ولكن لم يعد كذلك الآن، يجب تعويضنا”.