طفلان في إدلب ضحية شتات أسرة ينتظرهما مصير مجهول في ميتم

إدلب – نورث برس

يُرمم الطّفل أسعد الدّياب (10 أعوام) وشقيقته جراحهما، بعد أنّ عانيا التّفكك وهربا من منزل كفيلهما وتشردا، ليوضعا في ميتم بمدينة سرمدا شمال إدلب، شمال غربي سوريا، تفصلهما سنوات معدودة عن مصيرٍ مجهول ينتظرهما.

وهناك على قارعة الطّريق المُظلم في مدينة الدّانا شمال إدلب، كان يجلس أسعد قبل عام، على قطعة كرتونٍ مزقها مما وجده مرمياً في المهملات، ممسكاً بيد شقيقته الصّغرى ذات السّنوات السّبع المرتعدة، تملئُهما الحيرة ويعشعش الخوف في صدريهما الغضين.

ومنذ ثماني سنوات، في مدينة أهلكتها تشعبات الحرب وتعدد الفصائل، قرر والد أسعد السّفر إلى ألمانيا عله يتمكن من إعالة أسرته الصّغيرة، “باعت والدّتي بعض أثاث البيت ومصاغها الذّهبي لتأمين التّكاليف اللازمة”، كما يقول الطّفل.

وفي 2015 تحقق للأب ما أراد، وسار في طريق الهجرة، واعداً أسرته بحياة أفضل، وبالفعل بدأ الرّجل بإرسال مبالغ متقطعة وبسيطة إليهم، إلا أنها “لم تكن كافية لتلبية احتياجاتنا”، وفقاً لما يذكره أسعد.

ونظراً لما سبق، بدأت الأم بالعمل في ورشة للخياطة طوال النّهار، لتحسين أوضاعهم المعيشية، ومساندة زوجها.

ومع مرور السّنوات تغيرت معاملة الأب مع أسرته وقلل المبالغ التي كان يرسلها إليهم، الأمر الذي جعل والدتهما تطلب منه العودة أو تسيير معاملة لم الشّمل ليأخذهم إليه، كما يروي الطفل.

وعندما رفض الأب ذلك، اندلعت الخلافات بين الطّرفين، مما أدى لهجر الأم لطفليها، والعودة لمنزل والدها، لتتزوج لاحقاً من آخر.

وجهة ضائعة

وتنصح رنا الأحمد (31 عاماً) وهي مرشدة اجتماعية من مدينة إدلب، بحل الخلافات الأسرية بعيداً عن الأطفال، نظراً لما تخلفه من “ترسبات سلبية” تؤثر على نفسيتهم وسلوكهم.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن كل  طفل سوري تأثر بالعنف والتشرد وانقطاع الروابط الأسرية ونقص إمكانية الحصول على الخدمات الحيوية بسبب تواصل الأزمة السورية وقد ترك كل ذلك تأثيراً نفسياً هائلاً على الأطفال.

ومع بداية 2021 انتقل الطّفلان إلى منزل عمهما، ولكن حياتهما لم تشهد الاستقرار، لأنّ أسرة الكفيل مكونة من ثمانية أفراد، بأوضاع مادية صعبة، فـ”لم يلقيا التّرحيب”، كما يذكر أسعد.

أجبر العم ابن شقيقه على ترك المدرسة، ليعمل معه في ورشة للحدادة، وعن معاملته يقول أسعد، “كان يوبخني ويضربني باستمرار، عاملني بقسوة شديدة، بينما لم يفعل ذلك مع أطفاله”.

وبلغ عدد الأطفال السّوريين الذين هجروا مقاعد الدّراسة ثلاثة ملايين تقريباً منذ بداية الحرب السورية وحتى العام 2021، حسب تقديرات منظمة اليونيسيف.

ومع مرور بضعة أشهر، كره الطّفل الوضع الذي آل إليه حاله وأخته التي لم تكن تلقى معاملة أفضل، تجعله يصبر على حاله، ولم يكن له ملجأ آخر، فجميع أقارب والده في تركيا، وأهل والدته رفضوا الاعتناء بهما، حسب مسؤول الميتم.

وفي إحدى ليالي كانون الأول/ ديسمبر الحالكة من العام نفسه، وبعد تعرضه للتعنيف القاسي، تسلل الطّفل إلى فراش شقيقته الصّغرى، وأمسك بيدها ليخرجا من باب المنزل الذّي قاسيا فيه الكثير في وقت قصير، ليتلقفهما عالمٌ أكثر قسوة.

وهناك في ميتم “بيت الطّفل” في سرمدا، يجلس الطّفل بجانب سخانة كهربائية، ويستذكر ما بعد الفرار من ذلك المنزل، “شعرنا بالبرد الشّديد والرّهبة من كل شيء وأي شخص، لقد انتابنا إحساسٌ عميق بالوحدة، وأنّ لا أحد لنا في هذا العالم”.

ولا مجال للتراجع، هكذا كان الطّفل يفكر، فهو يعرف أنه لو عاد أدراجه سيتعرض وأخته “للضرب والتّعنيف الشّديدين”، لذا كان عقله تلقائياً يفكر في سبيل آخر للنجاة.

مصير معلق

ويقول لنورث برس، “فكرت بالبحث عن عمل، أو التّطوع مع العسكريين في المدينة وحمل السّلاح، كنت بحاجة ماسة للمال، فأنا وجدت نفسي مسؤولاً عن أختي الصّغيرة التي لم يبقَ لها غيري”.

وتدعو هيئة تحرير الشّام في إدلب، الأطفال لحمل السلاح، وفق شهادات أطفال انضموا للقتال في صفوفها.

 وبينما أخته التي يغالبها النّعاس تغمض عينيها على كتفيه بين النّائمة والمُستيقظة، تمنعها أصوات نباح الكلاب من الشّعور بالأمان تحت أضواء إنارة الشّارع الخافتة، حسب وصفه.

وفجأة ضرب ضوء سيارة مجهولة في عينهما، ثم فُتح باب السّيارة السّوداء، ونزل منها رجلان متوسطي العمر، “خفنا كثيراً فأصغر احتمال تضمن إعادتنا للمنزل الذي هربنا منه”.

وبينما هما مدهوشان بمنظر الجسدين اللذين اقتربا منهما بهدوء، مد أحد الرّجلين يديه للطفل، الذي أمسكها بتردد واضح وهو ينظر إلى أخته بقلق، وجاءهما صوت هادئ يطلب منهما صعود السّيارة لأخذهما لمكان أكثر أماناً.

واضطر الصّغيران للاستجابة، فالوضع الذي كانا فيه لا يقبل المُساومة أو الجدل، فتم نقلهما إلى الميتم.

ويعيش الطفلان مع ما يقارب 161 طفلاً وطفلة هم أيضاً أيتام من أعمار متفاوتة، أكبرهم 16 عاماً، في الميتم.

وبينما ينظر إلى شقيقته التي تبتسم ببلاهة بريئة، يقول أسعد: “بعد أعوام قليلة سأخرج للعمل وأترك الدّراسة لأن الميتم لا يقبل الأولاد في سن الـ 18، وأختي ستبقى هنا حتى تتزوج”.

ويخطط أسعد لأخذ شقيقته من الميتم في حال وجد عملاً مناسباً، فهو لا يعرف ما يخبئه القدر، “بعد أنّ تخلا عنا من نحب، لن أتخلى عنها”.

إعداد: وعد رحيمة – تحرير: آيلا ريّان