في عالم مُعتم.. أمل أحد سكان الشّدادي بالنّور تُكبله مرارةُ الفقر

الحسكة – نورث برس

عالمٌ بلا أضواء، هكذا يعيش صالح الخضير الملقب بالصوفي (31 عاماً) وهو من سكان ريف الشّدادي الشّرقي، جنوب الحسكة، منذ أكثر من عام بعد فقدانه لبصره بـ”خطأ طبي”، حدد مصير أسرته التي تتربع في قعر الفقر، ليُكبل أمله في النور بمرارة الفقر.

وفي منزلٍ بقرية البجدلي، تبدو عليه علامات القدم والفقر يعيش الرجل الأربعيني، بالقرب من منزل أهله الذي تقطنه والدته وأشقائه الثّلاثة بعد أنّ توفي والده منذ شهرين.

وبدأ الأمر منذ خمسة عشر عاماً، عاشها صالح مسلوباً لذة عيش شبابه، بسبب مرض السّكري.

وعلى مدار تلك الأعوام، عانى الرجّل آلاماً في المفاصل لطالما أرّقته، وواجه شعوراً بالنخزات والتّنمل في جسده، وبعد فترة قصيرة بدأ يفقد وزنه تدريجياً، رغم شعوره بالجوع الدّائم والعطش.

وما صعّب الوضع، هو عدم التئام جروحه بسهولة، إذ بدأ الأب لطفلين، يخشى أنّ يصاب بضربة مؤذية فلا يشفى، ولا سيما أنّ قلبه يخفق أغلب الوقت بسرعة.

هذه الأمور كلها شكلت ضغطاً نفسياً على الشّاب المُقبل على الحياة، وما فاقمها سوءاً، شعوره الدّائم بالتّعب حتى لو لم يبذل مجهوداً، وظهور الالتهابات الجلدية.

مضاعفات

ورغم أنّ “الصوفي” تعايش مع وضعه، إلا أنّ مقاومته بدأت تضعف عاماً بعد آخر، وجسده لم يعد قادراً على احتمال الضّغط، فانتشرت فيه الأمراض كما تتفشى عدوى الطّاعون.

وعلى ما يبدوا أنّ صموده المُستميت لم يؤتِ أكله، ففي بداية 2019، ازداد تورم مفاصل قدمه، ويقول: “لم أعد قادراً على العمل”.

وما زاد الطّين بِلة، تعرض شبكة عيني صالح “لضمور” نتيجة النّزيف، الأمر الذي أدى لفقدانه 80 بالمئة من بصره، بعد أنّ كان نظره مشوشاً بسبب السّكري.

ومن المعروف أنّ مريض السّكري يعاني بداية من انسداد الشّعيرات الدّموية، الأمر الذي يؤدي لنقص التّروية الدّموية التي تصل إلى الشّبكية، وتكاثر شعيرات دموية جديدة غير طبيعية سهلة النّزف، وتورم الشّبكية وظهور تجمعات دموية وزلالية.

صالح الصوفي وأطفاله – نورث برس
صالح الصوفي وأطفاله – نورث برس

ولا يصل الحد إلى هنا فقط، بل يستمر الأمر لتكرار حدوث النّزيف داخل الشّبكية والجسم الزّجاجي للعين وبالتالي تلفهما، وانفصال الشّبكية.

وهنا أبى الرّجل الاستسلام لحاله، وتوجه إلى مدينة دمشق قاصداً أحد أطبائها، الذي شخص حالته بـ “السّيئة”، وأخبره أنه بحاجة لسلسلة عمليات جراحية لشبكية العينين (القطع الزجاجي)، على فترات مُتقاطعة.

وبالفعل، لم يكن أمامه إلا خيار الامتثال لكلام الطّبيب، فأجرى خمس عمليات جراحية بين عامي 2019 و2020.

ويقول “الصوفي”: “نجحت العمليات، وتحسن بصري وسطياً في عيني اليّسرى، واستعدت جزءاً منه”.

وبناء على هذا النجاح الذي وصفه بـ “الباهر” قرر إجراء العملية السّادسة، آملاً بعودة بصره إلى سابق عهده.

خيبة أمل

وداخل غرفة مليئة بالأجهزة أكبرها معلق في السّقف، وعلى سرير أسود تغطيه ملاءة بيضاء، كان يجلس “الصوفي” موعد العملية مستعداً للتخدير كالعادة، فهو بات خبيراً بعد خمس عمليات سابقة، إلا أنّ رهبة العملية بقيت في صدره حاضرة.

وأثناء التّخدير حدث ما لم يكن مُتوقعاً، إذ أنّ الطبيب ارتكب خطأ طبياً، تسبب بنزيف حاد “ضرب شبكة عيني كاملة”.

وهنا صُدم الرّجل كلياً، فبعد سنوات عدة، من تحمله للعلاج بإبر الانسولين، وحرمان نفسه من أنواع أطعمة كثيرة بسبب حالته، وتكبده مشقة تأمين ثمن العديد من الأدوية، ها هو اليوم يقف عاجزاً أمام ما فرضه القدر.

ويشخص أحد الأطباء الذي أشرف على وضع “الصوفي”، ورفض التّصريح عن اسمه لنورث برس لأسباب أمنية، الحالة بالـ”حرجة”، إذ تعاني الشّبكية من ضمور وتوقف شبه تام.

ويقول إنّ “الرجل بحاجة ماسة للكشف عن وضعه بين الفينة والأخرى، وإبقائه تحت المراقبة وإعطائه الأدوية لتتحسن شبكية عينيه”.

ورغم أنّ الطبيب عرض عليه إجراء جلسات ليرز بـ”السرعة القصوى” على حد قوله، لسحب زيت السيلكون، على أمل عودة شبكة العين للعمل ولو بشكل بسيط، إلا أنّ ضيق حال الرّجل، الذي لا يستطيع العمل، ويُفقد حتى الطّعام من منزله في أغلب الأحيان، منعه من التّفكير حتى في إجراء الجلسات، إذ تكلف الجلسة الواحدة 300 ألف ليرة سورية تقريباً.

ولم يحدد الطّبيب عدد جلسات الليزر التي يحتاجها “الصوفي”، فهو بحاجة أولاً إلى الكشف عن وضعه، بالرّغم من أنه قال: “احتمال عودة بصره بشكل نصفي ما يزال موجوداً”.

والآن يعيش الرجل على المساعدات التي يقدمها “الخيرون” على حد تعبيره، وإخوته الذين يعانون من أوضاعاً معيشية صّعبة.

وسجل “الصّوفي” في منظمة بمدينة الحسكة ليحصل على المُساعدات الإنسانية، نظراً لأن منطقته خالية من المنظمات التي تدعم المحتاجين، إلا أنّ ذلك لم ينجح.

ويدرس أحد أشقاء الرّجل في كلية الجنولوجيا بدمشق، ويحتاج ليؤمن حاجاته الجامعية، بينما يعمل آخر في أعمالٍ حرة ولديه عائلة، وأما الأخ الثالث عمره (14 عاماً) ولكنه لا يعمل.

وقال عارف الخضير وهو شقيق صالح لنورث برس، “أتألم لرؤية شقيقي على هذه الحال، ولكنني لا استطيع تقديم المساعدة له، بسبب الوضع المادي”.

وهو يمسك بيد ابنته التي تقوده ويستكشف ما أمامه بعكازه المُرهق كصاحبه، يأمل صالح بالنظر إلى حالة أطفاله الذين يعيشون “تحت الصّفر” وتقديم المساعدة لهم من قبل المنظمات الإنسانية، في الوقت الذي “لم يفارقه” فيه حلم عودة بصره إليه.

إعداد: باسم شويخ – تحرير : آيلا ريّان