قرى مسيحية في درعا تفتقر للجيل الشاب وعائلات تسعى للهجرة

درعا- نورث برس

يفكر خالد نصر الله (40 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان قرية خربا شرق محافظة درعا، جنوبي سوريا، بالهجرة لخارج البلاد أكثر من أي وقت مضى، “فالوضع الآن بات أسوء من بداية الحرب وأصبح تأمين أبسط الحاجات اليومية حلماً لنا”.

يقول الرجل الأربعيني، إن بعض العائلات في قريته ذات الغالبية المسيحية باتت تبيع جزءاً من أراضيها الزراعية لتأمين مصروفها وتلبية احتياجاتها.

كان عدد المسيحيين في القرية الآنفة الذكر، يبلغ حوالي 1200  شخص، ولكن بعد عام  2014 وسيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، هاجر أغلب سكان القرية. وتضم حالياً كبار السن وبعض العائلات، بحسب سكان محليين.

وعاد قسم من تلك العائلات في 2020 بعد تعهدات روسية وبمرافقة عناصر “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، وفقاً لما ذكره “نصر الله” لنورث برس.

ويشير الرجل المسيحي إلى أن الغالبية العظمى من سكان القرية يرفضون العودة إليها، “بسبب انعدام الخدمات الأساسية وعدم توفر فرص العمل”.

ويعتمد غالبية مسيحيي درعا على الوظائف في القطاع الحكومي، ولكن مع انهيار الليرة السورية أصبحت الرواتب لا تكفي المعيشة عدة أيام.

“أوضاع اقتصادية صعبة”

وفي ريف درعا الشرقي، وخاصة في مدينتي درعا وأزرع وبلدات غصم والسماقيات رخم وخبب وبصير وتبنه والمسمية وشقرا، تنتشر العائلات المسيحية.

بلدة خبب المسيحية في ريف درعا الشرقي - نورث برس
بلدة خبب المسيحية في ريف درعا الشرقي – نورث برس

ورغم عدم توفر إحصائية رسمية لأعداد المسيحيين في درعا من الذين غادروا البلاد، ولكن بعض السكان يقدرون نسبتهم بما لا يقل عن 40 بالمئة.

ويعبر عيسى جبريل (37 عاماً) وهو اسم مستعار لشاب من قرية المسمية بريف درعا، عن ندمه لعدم سفره إلى الخارج عندما سنحت له الفرصة قبل سنوات.  

ويقول “جبريل” إنهم يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة، وخاصة أن قريته تفتقد لمواسم زراعية جيدة في ظل شح الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.

ويضيف الرجل الثلاثيني وهو موظف حكومي يتقاضى 100 ألف ليرة سورية (ما يعادل 26 دولار أميركي)، إن معاشه لا يكفيه سوى أيام.

وفي قرية شقرا بريف درعا الشرقي، يعتمد يوسف بشارة (58 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان القرية على ما يرسله له أبنائه من حوالات مالية لشراء احتياجاته.

ويعمل “بشارة” في أرضه الزراعية خلال فترة الموسم الزراعي، ويعيش مع زوجته لوحدهما في المنزل بعدما سافر جميع الأبناء إلى الخارج، هرباً من الخدمة الإلزامية الحكومية.

ولا ينكر “بشارة” أن خيار غالبية المسيحيين في درعا كان الحياد بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة السورية، “ولكن ضمنياً كان هناك تأييد كبير للتغيير الديموقراطي في سوريا”.

“النظام مسؤول”

وتحمل سميرة مبيض، رئيسة منظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام، “نظام الأسد” مسؤولية هجرة المسيحيين في البلاد.

وتقول “مبيض” وهي أيضاً عضو باللجنة الدستورية السورية عن كتلة المجتمع المدني، إن “النظام استمر بعد الثورة السورية باستخدام المسيحيين في ادعاءاته الكاذبة بحمايتهم”.

وتضيف: “في حين أنه لم يتوانَ عن التواطؤ مع التنظيمات الإرهابية التابعة للمعارضة كداعش والنصرة وسواهم وكذلك التواطؤ مع ميليشيات إيرانية متطرفة لترويع أمن الأحياء والبلدات المسيحية”.

وتشير رئيسة منظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام، إلى أن “نظام الأسد غض النظر عن عمليات الاختطاف والترهيب التي تجري بحقهم والدفع بمن بقي من المسيحيين للتهجير القسري والاستيلاء على بيوتهم وأملاكهم”.

كنيسة سيدة البشارة في قرية شقرا - نورث برس
كنيسة سيدة البشارة في قرية شقرا – نورث برس

وترى “مبيض” أن هجرة المسيحيين من قراهم جاءت كنتيجة مباشرة لوجود قوات عسكرية وفصائلية ذات توجهات متشددة وبعيدة عن الاعتدال السوري وعن الانفتاح الثقافي والإنساني الذي يتسم به.

وفيما يخص التمثيل السياسي لمسيحيي سوريا في المعارضة السورية، تقول “مبيض”، إن “أطر المعارضة اتسمت بهيمنة التيارات السياسية الايديولوجية التابعة للمنظومة القديمة ذاتها”.

وتشير إلى أن “السلوكيات والممارسات التي يتسم بها حكم الأسد من فساد وتبعية وارتهان وتشدد، طبقت ذاتها في مؤسسات المعارضة”.

وأدت هذه الممارسات  إلى “تغييب الصوت والوجود المسيحي المعارض من صفوفها وإقصاء كل من يطالب بالتغيير الجذري”.

وتضم درعا عدد من الكنائس القديمة أهمها كنيسة القديس جورجيوس “الخضر” في مدينة أزرع بريف درعا الشرقي.

“لا عودة قبل سقوط النظام”

وفي هذه الأثناء، لا تزال قرى مسيحية في درعا، تعد ثكنات عسكرية للقوات الحكومية كقرى شقرا وبصير والمسمية وخبب وتبنه.

ويرفض شادي الرشيد (58 عاماً) وهو من سكان ريف درعا الشرقي، يسكن في إحدى دول أميركا الجنوبية، العودة إلى قريته، قبل “سقوط نظام بشار الأسد”.

ومطلع العام 2014، غادر “الرشيد” البلاد، بسبب القبضة الأمنية الشديدة للقوات الحكومية “وخوفاً على حياتي لمعارضتي للنظام”.

ويشير هو الآخر إلى أن عدداً كبيراً من أبناء قريته اختاروا الهجرة خارج سوريا بعد رفضهم الانخراط في صفوف القوات الحكومية.

وقرية “الرشيد” ووفقاً لما يرويه لنورث برس، “لا يسكنها إلا عدد قليل من كبار السن الذين رفضوا ترك القرية خلال السنوات العشر الماضية”.

 إعداد: إحسان محمد – تحرير: سوزدار محمد