غرفة آيلة للسقوط.. عائلة في الحسكة بلا مأوى منذ أحداث سجن الصناعة

الحسكة – نورث برس

يأتي أفراد العائلة كل يوم إلى المنزل ويحاولون استخراج ما تبقى من أثاثه للاستفادة منه في حال بيعه كخرداوات، لعلَّ ذلك يخفف عنهم حجم خسارتهم التي تقدر بملايين الليرات.

وبعد ساعات من النبش تحت الركام، وبالقرب من مقبرة حي غويران في الحسكة، تجلس سارة العلي (49 عاماً) برفقة طفلة شقيقها في مكان كان يعدُّ سابقاً بهو منزلها.

تنظر السيدة إلى ما آل إليه حال المنزل الذي لم يبقَ منه سوى غرفة آيلة للسقوط، وتقول: “لم يبقَ من منزل عبد اللطيف شيئاً”.

كان الواحد والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، حينما خرجت “العلي” برفقة والدتها الطاعنة في السن وعائلة شقيقها من منزلهم، على خلفية أحداث سجن الصناعة بالحسكة، متوجهين إلى منزل شقيقهم الآخر في حي الليلية.

منزل عبد اللطيف العلب وشقيقته سارة في حي غويران بمدينة الحسكة- نورث برس

لم تعلم العائلة أنها ستخسر المنزل الذي تحول، بعد أيام من خروجهم منه، إلى كومة من الركام على إثر الاشتباكات التي اندلعت بين قوات سوريا الديمقراطية وعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تحصنوا فيه.

تضيف السيدة بلهجتها المحلية، “تعبت والله تعبت، بالليل ما نامو، ما ضلننا شي، عيلة أخوي مشردة وأنا وأمي مشردين”.

وفي العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، هاجمت خلايا نائمة للتنظيم سجن الصناعة والذي يضم الآلاف من معتقلي “داعش”، الذين اعتقلتهم “قسد” خلال سنوات الحرب ضد التنظيم المتشدد.

وتزامن الهجوم مع ثلاثة انفجارات في محاولة لتهريب السجناء، ليتمكن بعضهم من الفرار، بينما انتشر آخرون في الأحياء المحيطة بالسجن.

وعلى إثرها دارت اشتباكات قوية في تلك الأحياء، استمرت نحو عشرة أيام، إلى أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) وبدعم جوي من التحالف الدولي من السيطرة على الموقف.

“ما ذنبنا؟”

وكانت سارة تسكن برفقة أمها في غرفة من المنزل، بينما كان شقيقها عبد اللطيف وزوجته وأولاده يسكنون باقي الغرف، لكن العائلة تشتت شملها اليوم، لفقدانهم المنزل الذي كان يأويهم.

وفي محاولة لمواساة نفسها، تقول سارة، “الله كتبها علينا”، لكنها تعود وتتساءل: “ما ذنبنا ليحصل لنا هذا؟ أهذا حال؟”.

تعيش سارة مع والدتها في منزل شقيقها الأكبر الآن، فيما تسكن زوجة عبد اللطيف وأولادها عند أحد أقربائها، بينما عبد اللطيف يرتاد منازل أقرباء له.

وقبل يومين، تجمع أفراد العائلة لتناول وجبة غداء كانت عبارة عن علبة من المرتديلا والخبز، على أنقاض منزلهم، عائدين بذاكرتهم للأيام التي قضوها تحت سقفه الذي لم يبقَ منه شيء.

أحداث السجن التي استمرت نحو عشرة أيام، تسببت بنزوح جماعي لسكان الأحياء المجاورة وتدمير عشرات المنازل والمحلات، إلى جانب تدمير مؤسسات خدمية وأفران وصوامع حبوب وكليات جامعة الفرات وكراج غويران.

وجاء الإعلان عن الخسائر البشرية، ليكون بمثابة صدمة لسكان شمال شرقي سوريا، إذ أدت الاشتباكات إلى “استشهاد 121 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية وموظفين وعاملين في السجن، بينهم أربعة مدنيين”، بحسب إحصائيات أعلنت عنها القيادة العامة لـ”قسد”.

وبينما كانت تحاول، بمساعدة زوجة شقيقها وأطفالها، أن تستخرج خزان مياه محطم من تحت أنقاض المنزل، تقول سارة، “نأتي إلى منزلنا من أجل تنظيف الركام، لا لشيء ولكن من أجل أن نريح قلوبنا المملوءة بالهموم”.

مطالبات بالتعويض

لم يكن حال عبد اللطيف العلي (50 عاماً) أفضل حالاً من شقيقته، فهو بدأ يجهش بالبكاء بعد سماعه خبر تدمير منزله، خاصة أنه قضى سنوات عديدة في بنائه، إذ كان يدخر كل عدة سنوات مبلغاً من المال ليبني غرفة حتى انتهى من بنائه كاملاً.

يقف هو الآخر على أنقاض منزله ويعلم جيداً أنه لا يمكنه إعادة بنائه مرة ثانية، فهو موظف حكومي متقاعد يتقاضى 100 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ عدد أفراد عائلته عشرة أشخاص.

يقول الرجل الخمسيني، والشيب يغزو شعره، “أصبحنا نازحين، أمي وأختي في مكان، وأطفالي وزوجتي في مكان، وأنا في مكان آخر”.

لا يدري إن كانت مطالبه ستتحقق أم لا, ولكن الرجل الذي  يعمل سائقاً على دراجة نارية للأجرة ناشد الإدارة الذاتية والمنظمات العاملة في المنطقة بضرورة التعويض والمساعدة، في ظل سوء وضعه المعيشي.

وبداية هذا الشهر، قال خبات سليمان الرئيس المشارك لمجلس مقاطعة الحسكة، إنهم شكلوا لجنة لتقييم وإحصاء الأضرار التي لحقت بممتلكات السكان في الأحياء المحيطة بسجن الصناعة في الحسكة.

وبعد الانتهاء من الإحصاء والتقييم، سيتم مناقشة الإدارة الذاتية فيما يخص المرحلة الثانية، وإرسال نسخة من التقرير والمقترحات إلى قوات سوريا الديمقراطية، بحسب “سليمان”.

ولم يكشف الرئيس المشارك لمجلس المقاطعة، حينها، عن الإجراءات التي ستتبعها اللجنة والإدارة الذاتية لمساعدة المتضررين وسبيل تعويضهم.

وبينما يجمع أحجار منزله أمام الغرفة التي لا تصلح للسكن لتضرر سقفها، يقول الرجل: “بقينا بدون منزل أو مأوى”.

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: سوزدار محمد