ندوب بارزة.. في يوم المرأة العالمي نساء في الرّقة حرمن حقوقهن

الرقة – نورث برس

تلتفت فاطمة الخلف (41 عاماً) من سكان شرقي الرّقة، يمنةً ويسرة حائرة، تبحث عمن يقرأ لها لافتة الطّبيب الذي تقصده للعلاج في السّوق، بعد أن حُرمت من التّعليم.

وتتلخص معاناة معظم النّساء اللواتي ولدن في الرّيف بالجملة العشائرية الشّهيرة “المرأة شو بدها بالتّعليم”، الأمر الذي انعكس سلباً على فاطمة التي تركت المدرسة في الصّف السّادس الابتدائي.

وتزوجت الأربعينية في السّابعة عشر من العمر، وتقول لنورث برس بنبرة خجولة، “أصطحب حفيدتي معي لمساعدتي في القراءة، كلما أردت النزول للسوق، تحسباً من إضاعة المكان الذي أقصده”.

وتعتبر السّيدة أن فترة إبقائها في المنزل حتى يأتي نصيبها ومنعها من التّعلم “نقطة سوداء” على حد وصفها، فنظراً لحبها للدراسة، بقي حرمانها منها غصة في صدرها.

وتحتفل نساء العالم الآن، باليوم العالمي للمرأة، وللاحتفالات في سوريا عامة، وشمال شرقها خاصة طابعها الخاص، فمع الكم الهائل من التّقدير لجهود المرأة ما تزال آثار معاناة النّساء وحرمانهن من حقوقهن بارزة.

ولم تتمكن فاطمة من رفض ابن عمها الذي تقدم لخطبتها، وبعد زواجها انقطع أملها بالعودة لمقاعد الدّراسة بشكل نهائي، حسبما قالت.

ولربما شكل حرمانها من التّعليم، الهاجس الذي تمتلكه اليوم، إذ تقول: “أريد أنّ أكون سنداً لابنتيّ، لتتمكنا من تحقيق ما لم أنجزه أنا، وأرى حلمي ينمو ويُينع فيهن”.

وتقول فاطمة بلهجة محلية، “أحس بالنقص دائماً، وخاصة لما بدي أقرأ شي ضروري، بس ما فيني قول إلا الله يسامح اللي كان السّبب”.

“لا يطاق”

وفي عام 2021، سجلت هيئة المرأة في الإدارة الذَّاتية لشمال وشرق سوريا، 657 حالة انتهاك بحق المرأة و666 حالة طلاق منذ بداية العام، وازدادت النسبة بعد حصار المنطقة اقتصادياً.

وتعتبر النّاشطة النّسوية فوزة المرعي (32 عاماً) من سكان قرية حمرة بلاسم شرقي الرّقة، أنّ أكثر فترة حُرمت فيها النّساء من أبسط حقوقهن هي أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وآنذاك، أجبرت العديد من الفتيات على الزّواج مبكراً، وتعرضن لمختلف أنواع العنف والاضطهاد من العشير، وكان مصير تلك الجيزات، الطّلاق في النّهاية، بحسب النّاشطة.

وتحول التّضييف على المرأة إلى شيء “لا يطاق”، إذ أنّ تنظيم “داعش” أظهر العنصرية الجنسوية بوجهها، عبر ممارساته “غير القانونية”، كما تصف “فوزة” الأمر.

ولا يخفى على العالم أنّ من أكثر تلك الممارسات هي عدم قدرة المرأة على الخروج من منزلها، إلا برفقة “محرم”، أو إن تجرأت على متابعة دراستها تعاقب هي ووالدها، كما تقول.

وأضافت النّاشطة: “النساء اللواتي كنّ يخرجن بلا ملابس شرعية، يعاقبن بالجلد”.

وتشير فوزة إلى أنه بعد طرد “داعش” من المدينة، عادت إليها الحياة من جديد، ولكن المرأة ما تزال تحاول اجتثاث نفسها من قعر العنصرية “عملت المُنظمات على عقد جلسات حوارية، ولا ننكر التّقصير لأن أغلبها تقتصر على الإعلام”.

وعلى المنظمات والجهات التّوعوية، أنّ تركز اهتمامها على محو الأمية ضمن دروس مكثفة، وتوعية العائلات بحقوق المرأة التي “لا يجب تجاوزها”، هذا ما دعت إليه النّاشطة.

عار الإرث

ومن جانبها لم تجرؤ حليمة التّركي (48 عاماً) من سكان حمرة غنام شرقي الرّقة، على المطالبة بإرثها، رغم صعوبة وضعها المادي، نظراً لتدهور وضعها الصّحي.

وتقول لنورث برس: “مجرد التّفكير في المطالبة بالإرث عيب وعار، من شأنه أنّ يُحدث المشاكل بين إخوتي”.

ولن يقتصر الأمر على العائلة، بل إنّ المجتمع المحيط بالمرأة تكون ردود فعله سلبية، “سيتبادلون الكلام عني، ويجعلونني أشعر بالإهانة والضّعف”.

ويساعدها إخوتها بمبلغ من المال، نظراً لظروفها “لا يفيني حقي، فهولا يقارن بميراثي”، حسب حليمة.

ومع وقوفها مكتوفة اليدين، تقول: “أوصيهم بالانتباه لأسرتي وبالأخص البنات، كما كانت تفعل والدتي سابقاً”.

محاولات سلمية

وتشير أليسار محمد العضوة في لجنة المرأة بالحمرات شرقي الرّقة، إلى أنّ دار المرأة تجري جولات ميدانية في الرّيف للاطلاع على أحوال الأيتام والأرامل ممن تضرروا في الحرب، “لتقدم المُساعدة لهم قدر المُستطاع”.

وفي نهاية 2020، أصدر مجلس العدالة العام لشمال شرقي سوريا، إحصائية سنوية بالجرائم المرتكبة بحق المرأة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية خلال 2020، شملت 1590 جريمة.

وسجلت الإحصائية 25 حالة قتل و288 حالة ضرب وإيذاء و15 حالة تهديد بالقتل و6 حالات تحرش و58 حالة زواج قاصر، 148حالة تعدد زوجات، 64 حالة قدح وذم، سبع حالات انتحار، 37 حالة دعارة، تسع حالات اغتصاب.

وباعتبار أنّ الرّيفيات هنّ الأكثر تأثراً بالتقاليد والأعراف العشائرية، تقدم لهنّ العضوات في الدّار بعض النّصائح التّوعوية لضمان حقوقهن، بما يرضي كافة الأطراف، حسبما قالت عضوة لجنة المرأة.

وفي حالات الطّلاق والعنف الأسري والزّواج المبكر، تحاول دار المرأة فض الأمر عبر التّوعية لكلا الطّرفين.

أما في الحالات التي تتعلق بالأمور العشائرية كالميراث، “نبدأ بالحلول السّلمية، ولكن مع تعنت الطّرفين، نضطر لتحويلها إلى لجنة الصّلح”، حسبما قالت أليسار.

إعداد: عمار حيدر . تحرير : آيلا ريّان