النزيف الاقتصادي يضيق الخيارات على سكان محليين شمالي الحسكة

تل تمر – نورث برس

أمام استمرار النزيف الاقتصادي للعملة السورية مقابل العملات الأجنبية، يتبع عبدالرزاق العيسى (52 عاماً) أثناء تسوقه في أسواق بلدة تل تمر شمالي الحسكة، شمال شرقي سوريا، سياسة التقنين في شراء مستلزمات منزله، في ظل عدم تماشي دخله الشهري مع ارتفاع أسعار السلع.

ويتقاضى “العيسى” وهو معلم في مدرسة ابتدائية لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، 260 ألف ليرة سورية (نحو 70 دولاراً أميركياً) شهرياً.

ويقول المدرس أثناء شرائه خضراوات من أحد المحلات، “الأسعار مرتفعة، فهناك فرق كبير بين دخلنا والأسعار، رواتبنا لا تسد احتياجاتنا المعيشية الأساسية”.

ويضيف الخمسيني وهو أب لستة أولاد، “مقارنة مع هذه الأسعار، يلزمنا مليون ليرة شهرياً في الوقت الحالي”.

وشهدت أسعار الصرف في السوق السوداء خلال الأيام الأخيرة، قفزة جديدة في قيمة الدولار الأميركي أمام الليرة السورية بزيادة نحو 200 ليرة، حيث وصل سعر الصرف لـ 3850 ليرة مقابل الدولار الواحد، وسط حالة عدم استقرار لسوق التداول.

ويرى مراقبون، أن أسباب تراجع قيمة الليرة السورية مؤخراً، هي نتيجة ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة التي أثرت بشكل كبير على العملة السورية والسلع الرئيسية التي كانت تأتي من روسيا.

ويقول “العيسى” الذي يرتدي معطفاً أزرقاً ويتفق معه عدد من الأشخاص الذين كانوا يقفون بالقرب منه، “نتدبر أنفسنا من خلال التوفير بشراء مستلزمات بسيطة، فهناك الكثير من الأشياء لا نستطيع شراءها، فجميع المواد في الأسواق بالدولار”.

أسعار متفاوتة

فيما يشكو المدرس الذي ينحدر من منطقة جبل كزوان (جبل عبدالعزيز) شمالي الحسكة، من تفاوت الأسعار وسط غياب الرقابة، “هناك تفاوت بالأسعار بين محل وآخر، فلائحة الأسعار ضمن المحلات وهمية”.

والشهر الماضي، قالت مصادر أميركية لنورث برس، إن واشنطن تعتزم رفع العقوبات المطبقة في إطار قانون قيصر عن شمال شرقي وشمال غربي سوريا، باستثناء مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).

وتأتي هذه الخطوة لاستثناء المناطق التي لا تخضع لسيطرة حكومة دمشق من قانون قيصر الذي استهدف سوريا.

وبموجب الإعفاء المرتقب من قانون قيصر للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية والفصائل الموالية لتركيا، ستتمكن هذه المناطق من الاستفادة من التعاملات التجارية مع كيانات ودول خارجية.

وتعقيباً على ذلك، قال شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، لـنورث برس، إن استثناء شمال شرقي سوريا من العقوبات الاقتصادية يحتاج لضغط دولي لافتتاح المعابر المغلقة.

وفي محله لبيع الخضراوات والفاكهة بالقرب من الطريق الدولي السريع (إم 4)، يشكو عدنان خوري وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية من تدهور الوضع الاقتصادي الذي أدى لتراجع حركة البيع والشراء ضمن الأسواق.

ويقول إن حركة البيع والشراء “ضعيفة، زبائني من ذوي الدخل المحدود يعتمدون على تربية المواشي والزارعة، لكن الجفاف أثر على مصدر دخلهم ولم يعد باستطاعتهم شراء حاجياتهم بالشكل الكافي”.

ويضيف: “ليس هناك مال لدى الناس”.

ركود حركة العمل

وعلى وقع انكماش الوضع الاقتصادي، تشهد أسواق بلدة تل تمر ركوداً في حركة البيع والشراء دون أن تستطيع شريحة من السكان المحليين شراء مقومات الحياة الضرورية كفاية لأسرهم.

وبينما كان عدد من الزبائن يفاصلونه في أسعار السلع، يشير “خوري” إلى زبائنه باتوا يشترون السلع بكميات قليلة ويقتصر على كل ما هو ضروري لهم.

ويزيد على ذلك، “صندوق البندورة يبقى يومين لنبيعه، علماً أن الخضراوات رخيصة مقارنة مع السلع الأخرى”.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية، تسبب الانحباس المطري في العاميين الأخيرين بفقدان السكان المحليين لأبرز مصادر معيشتهم الأساسية، حيث يعتمد 80% منهم على الزراعة وتربية الماشية.

وتتجول سارة عنتر (52 عاماً)، من سكان ريف بلدة تل تمر، في سوق البلدة وهي تحاول شراء مستلزمات منزلها بما يسمح لها وضعها المعيشي.

وتقول المرأة الريفية لـنورث برس، وهي تحمل أكياساً من الخضراوات في سوق البلدة، “منذ الصباح وأنا أتسوق في المحلات، الأسعار مرتفعة كثيراً ويتفق الجميع، بأن سبب الغلاء هو الدولار”.

وتعتمد “عنتر” وهي أم لعائلة مكونة من 11 فرداً، على غرار شريحة كبيرة من مجتمعها، في مدخولها على الماشية التي تمتلك منها 52 رأساً، لكن تدني أسعارها وانعدام المراعي يدفعها لبيع رؤوس منها بين الحين والآخر لتأمين قوت المعيشة لأفراد أسرتها الكبيرة.

وتشير السيدة بينما تكتنفها الحيرة، لصدمتها من ارتفاع الأسعار مقارنة مع الأسابيع الفائتة، “أبيع أغنامي بأسعار بخسة في سبيل العيش، فكل شيء مرتفع وليس لنا قدرة على الشراء”.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد