طموحات تركيا في سوريا.. خسائر متتالية وخيارات محدودة
القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
تُحاط تركيا بعديد من التحديات والعقبات التي تعيق طموحاتها في المنطقة، وبشكل خاص في المنطقتين الاستراتيجيتين التي بدا التركيز التركي منصباً عليهما بشكل أساسي، وهما سوريا، التي تدخلت فيها تركيا مبكراً بدعمها اللامحدود للفصائل المسلحة المعارضة، و ليبيا، حيث أعلنت رسمياً دعمها المباشر لحكومة الوفاق و"الميلشيات" التابعة لها في طرابلس.. وسواء في سوريا (وتحديداً في إدلب في الشمال) أو في ليبيا، فإن خسائر أنقرة المتتالية وضعتها في وضع حرج، وأمام خيارات ضيقة.
وأمام تلك المعضلات أيضاً، صار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية"، أمام انتقادات من الداخل والخارج، ليعمل دون حاضنة داخلية أو دولية تقريباً تعزز مواقعه أو مواقفه في كل من البلدين سوريا وليبيا.. ورغم الهدنة الأخيرة التي أقرتها تركيا وروسيا، فإن محللين ذكروا أن تركيا ليس أمامها سوى خيارات "محدودة" في سوريا، تصب في مجملها في إطار التراجع الاستراتيجي، دون أي تصعيد، على أساس أن التصعيد لن يكون في جميع الأحوال في صالحها.
حلول مؤقتة
وفي تقدير الخبير العسكري المصري، اللواء نصر سالم، فإن "الحلول المُسكنة أو الترقيعية للوضع في إدلب، سواء كانت باتفاق وقف إطلاق النار أو الهدنة والتهدئة أو الدوريات المشتركة، جميعها لا تخدم مصلحة تركيا في الأخير؛ ذلك أنه في نهاية المطاف لن يتنازل الجيش السوري عن تحرير إدلب والسيطرة عليها، ما يجعل الهدنة التي تم إقرارها مؤخراً هي هدنة هشة". وشدد الخبير الاستراتيجي المصري، في الوقت ذاته، على أن كلاً من تركيا وروسيا قامتا فقط بـ "نزع فتيل الأزمة" بين بعضهما البعض، بصورة مؤقتة، واتفقتا على وقف إطلاق النار من أجل التهدئة فقط، بينما المشكلة الرئيسية لم تُحل بعد، ودون أن يعني هذا الاتفاق تنازل أي من الطرفين عن موقفه.
وبالتالي، وفق سالم، فإنه مادامت المشكلة الجوهرية لم تحل بعد، وما دام هناك إصرار من كل طرف على موقفه “سواء الحكومة السورية وكذلك الروس الذين يتدخلون بشكل شرعي بطلب من الحكومة، أو من تركيا التي لا غطاء شرعي لها في تركيا، وكذلك الجماعات الموالية لها، فإن وقف إطلاق النار ما هو إلا حل وقتي فقط”، على حد قوله.
وأضاف، "الحكومة السورية لن تضحي بإدلب، ولا يعني وقف إطلاق النار توافقاً روسياً تركياً، ذلك أن لكل منهما أهداف غير الآخر، وهذا أمر طبيعي (..) أردوغان من جانبه لا يريد أن يترك إدلب، ويريد تأمين مصالحه والشريط الواقع تحت سيطرته على الحدود السورية التركية".
تشتت تركي
"وتركيا منهكة على جبهتين استراتيجيتين تحارب فيهما، في سوريا وليبيا"، هذا ما يؤكده الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، والذي قال إن ما يلحق بتركيا من خسائر على الجبهتين، يجعلها في موقف شديد الصعوبة، ولن تستطيع الاستمرار أو التصعيد.
وشدد على أن تركيا في ظل الخسائر التي منيت بها في سوريا وفي ليبيا، ستكون مضطرة للقبول بالحلول السياسية والتفاوض والهدنة، لأنها تدرك جيداً أن أي تصعيد إضافي لن يكون في صالحها بأي شكل من الأشكال، لأنها في موقف ضعيف، بخاصة أنها تقف وحدها في ذلك الموقف، بعد تخلي أوروبا وحلف الناتو عنها إلى حد كبير، وبعدما صار واضحاً للعيان ما تصبو أنقرة إلى تحقيقه، وما ترتكبه هناك في سوريا وليبيا.
فيما لا تزال أنقرة تحاول استنزاف كروتها كافة من أجل محاولة تحسين موقفها في كل من سوريا وليبيا بعد التطورات والخسائر الأخيرة التي منيت بها، وبالتالي تستخدم ملف اللاجئين وتواصل توظيفه واستثماره من أجل ابتزاز أوروبا، وهي الاستراتيجية التي أكد فرج اتباع أنقرة لها في محاولة للتغلب على خسائرها والتغطية عليها بصورة أو بأخرى.
أهداف تركيا
السياسي السوري المعارض، العضو السابق بالائتلاف السوري، سمير نشار، أشار ، في تصريحات خاصة لـ "نورث برس"، إلى إن "تركيا تحاول الاحتفاظ بممر آمن على طول الحدود السورية التركية، بما فيها إدلب، بعمق 30 كم في الوقت الذي لم يستطع اتفاق أضنة، الذي وقع في العام 1998 بين النظام السوري وتركيا ، تبديد مخاوفها من إمكانية قيام كيان كردي مدعوم غربياً يهدد الأمن القومي التركي".
وتابع، "الأمر الآخر الذي تحاول القيام به تركيا هو محاولة عدم نزوح السوريين من مدينة إدلب ومحيطها؛ لمنع تجمع النازحين عند الحدود السورية التركية، والذين يتراوح عددهم بين مليون ومليون ونصف إنسان، أغلبهم في العراء أو في الخيام، والذين فضلوا شظف الحياة في البراري على العودة إلى نظام بشار الأسد؛ لأن نزوح سكان إدلب يعني رفع عدد النازحين إلى أكثر من مليوني نازح، أغلقت المعابر والحدود التركية في وجهوهم، وهذا سوف يشكل كارثة إنسانية وفضيحة أخلاقية لتركيا والمجتمع الدولي ".