فطائر “صماء”.. مخبزٌ يُدار بالإشارات في بلودان يتحول لمعلم سياحي

دمشق ـ نورث برس

يُحضر الأخوة وليد ومحمد وخالد العادل، الفطائر بتركيز دون أنّ تنطق شفاههم، في حين أنّ لغة تواصلهم الوحيدة الإشارات والعيون، خلال عملهم بمخبزهم في بلودان، أو كما يعرفه السّكان والسّياح بـ “مخبر الأصماء”.

وعند الاقتراب من المخبز، لا بد أنّ تصل إلى أذنيك أصوات ارتطام معدات تحضير الفطائر والأزيز، إذ يجهز وليد العجينة ويعطيها لخالد الذي يضع المكونات والحشوة عليها، وينقلها لحفيده محمود العشريني الذي يعاني من الصّمم والبكم، ليشويها في الفرن.

وتحول المخبز الذي يتربع منذ أكثر من 40 عاماً، على خاصرة ريف دمشق الشّمالية بالقرب من مدينة بلودان السّياحية ويعمل فيه الإخوة الصّم، إلى مَعلمٍ يقصده السّياح من داخل البلاد وخارجها.  

وعن كيفية التّواصل بين الزّبائن والعاملين، فهي عبارة عن لغة إشارات تترجمها زوجة وليد مها ناصر، التي تقول: “عمل زوجي وإخوته فيه مذ كانون أطفالاً، ليقرر عمي شرائه قبل وفاته”.

وعمل خالد في الفرن منذ كان عمره عشر سنوات، وعندما بلغ الثالثة والعشرين، أصبح أحد مالكيه، وأجبرت عائلته على بيع منزلها لتوسيع المخبز، حسب مصدر مقرب من العائلة.

وأما الشّقيق الأصغر محمد، فهو الوحيد المُتعلم، ويتعامل مع الزّبائن بالكتابة عبر الواتس آب.

وترجع هذه الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها والد زوجها إلى صعوبة تأسيس عمل جديد للإخوة، “انعكس الأمر إيجاباً علينا، لأنه مصدر رزق لثلاث عائلات”.

وكانت الفطائر تباع قبل الحرب السّورية بخمس ليرات أو خمسة عشر في وقت الغلاء، لكنها اليوم بلغت أضعاف سعرها السّابق، إذ تباع بـ  800و1500 ليرة سورية، حسب الطّلب، إذ أنّ لكل فطيرة سعرها الخاص.

ومنذ ذلك الوقت اشتهر اسم الفرن بـ “الأصماء”، الذي خرج عن العمل لثلاث سنوات خلال سيطرة الفصائل المُسلحة على المدينة، الأمر الذي انعكس سلباً على عائلات الإخوة، كونه مصدر رزقهم الوحيد.

وتجلب الزّوجات المواد اللازمة لعمل المخبز في كل يوم، في حين يداوم الإخوة على تجهيز المخبز وتنظيفه حتى يكون جاهزاً لاستقبال الزّبائن.

وتلقت مها العديد من الانتقادات من مُحيطها، لعملها مع زوجها في المخبز، “نفهم على بعضنا، لذا من السّهل أخذ طلبيات الزّبائن وشرحها له، ولا أشعر بالخجل من عملي”.

وتترجم الزّوجة التي لم تحصل على أي تعليم للغة الإشارة، لكنها تمكنت مع الوقت من فهمها، إشارات وليد لوكالة نورث برس، التي عبر خلالها عن حبه لعمله وصنعه لفطائر “لذيذة وساخنة”.

ولجودة العمل ونظافته، تمكن المالكون من بناء علاقات جيدة، والآن لهم زبائن معينون يقصدون المخبز، “لتناول الفطائر ذات الرّائحة التي لا تقاوم وتفوح في الموقع، مع كوب شاي”.

وتُسافر عائلة العشرينية ميس العلي، من دمشق إلى بلودان لتناول الفطائر في هذا المخبز، بعد أنّ تعرف عليه والدها في إحدى الرّحلات مع أصدقائه إلى المنطقة، وأصبح زبوناً دائماً.

وتقول إنها تقصد المخبز كل جمعة برفقة أسرتها، لتناول الفطائر السّاخنة التي تصفها بـ “الشّهية”.

إعداد: مرام المحمد . تحرير : آيلا ريان